قف يا لبيب العقل في عرفاتِ
كم فيه من عبرٍ، ومن آياتِ!
مازال عبر الدهر ينمو حبه
مُتجددًا بتجددِ الأوقاتِ
لو قُدِّرتْ ذراته لسمتْ على
أضعاف ما في الأرض من ثرواتِ
المؤمنون بكل أرضٍ روحُهمْ
تهفو إليه على مدى الساعاتِ
ويرون رؤيتهُ نعيمَ حياتهمْ
مهما رأوا فيها من الإعناتِ
جناتُ عدنٍ خلفَ حرِّ رمالِه
تدعو أخا الإيمان للجنَّاتِ
والروح في عرفاتِ تلقى روحها
والذّاتُ عند البيتِ غيرُ الذاتِ
والنفس تسمو كلما نظرتْ له
عن كل ما في الأرض من رغباتِ
فهناك في عرفات أمنيةُ المنى
وهنا بمكة غايةُ الغاياتِ
من كل فجٍّ أقبلت حجاجُها
ظمأى الحنين.. لهيفةَ النظراتِ
جاءت.. وقبل مجيئها طارت بها
أرواحها لمواطن الرحماتِ
لا فرق في الأجناس فيما بينها
لا فرق في الأوطان والعاداتِ
بالأمس كان الكلُّ يسعى همه
لو نال ما في الأرضِ من لذاتِ
واليوم قد هجروا اللذائذ كلها
وتسابقوا للبذلِ والطاعاتِ
أشقى العذاب يرونَ فيه عذوبةً
ويرون لفحَ هجيرها نفحاتِ
لكأن كل قلوبهم قلبًا غدتْ
وغدت لهاةً سائرُ اللهواتِ
الكل للرحمن هلل داعيًا
ولكم ترى التهليل بالعبراتِ
آيات ربك لا تعدُّ.. وكلُّها
تدعوك للتفكير في الآياتِ!
لبيك وحّدت اللغات كأنها
أصلٌ لما في الأرضِ من كلماتِ
بيك أفئدةٌ تذوب بقولها
لتصوغ من لبيك حبل نجاةِ
يا فوز من لبى وعاشت روحُه
أحلى ثواني العمر في عرفاتِ