خلافة المقتدي بأمر الله بن الأمير ذخيرة الدين
خلافة المقتدي بأمر الله بن الأمير ذخيرة الدينتولى المقتدي بأمر الله الخلافة من شعبان 467هـ حتى محرم 487هـ، وعمره عشرون عامًا نشأ في حجر جده القائم بأمر الله يربيه بما يليق بأمثاله، وكان المقتدي شجاعًا شهمًا أيامه كلها مباركة، والرزق دار والخلافة معظمة جدًّا، وتصاغرت الملوك له وتضاءلوا بين يديه، خُطِب له بالحرمين وبيت المقدس والشام كلها، واسترجع المسلمون الرها وأنطاكية من أيدي العدو، وعمرت بغداد وغيرها من البلاد، وكان وزراؤه وقضاته من خيار الناس، وفي أول سنوات حكمه أخرج المفسِدات من بغداد وأمرهن أن ينادين على أنفسهن بالعار والفضيحة، وخرب الخمارات ودور الزواني والمغاني.
السلطان ملك شاه
توافر لهذا الزمن اكتمال السعادة فقد كان ملك شاه السلجوقي أيضًا سلطانًا عادلاً مقدامًا لا يتوجه إلى إقليم إلا فتحه وخضع له ملوك الشرق والغرب، وخطب له من حدود الصين إلى آخر الشام ومن أقاصي بلاد الإسلام في الشمال إلى آخر بلاد اليمن وحملت إليه الروم الجزية ولم يفته مطلب.
الوزير قوام الدين نظام الملك
كذلك كان الوزير قوام الدين نظام الملك أبي على الحسن بن علي بن إسحاق رضي أمير المؤمنين، كان معدودًا من العلماء الأجواد، وكان محبًّا للعلم، مجلسه دائمًا معمور بالقراء والفقهاء وأئمة المسلمين وأهل الخير والصلاح، أمر ببناء المدارس المعروفة بالنظامية في سائر الأمصار والبلاد وأسقط في زمنه كثير من المكوس والضرائب.
وعلى الجملة فقد كان هذا الوزير غرة في جبين آل سلجوق، وهو قرين أبو حامد الغزالي حجة الإسلام في طلب العلم.
بيد أن الوشاة وأصحاب المصالح لا يريدون لهذه الأمة أمثال هذا الود وهؤلاء الوزراء والسلاطين، فسعوا بينه وبين السلطان، حتى استوحش منه السلطان واستطال مدته وكانت تسعة وعشرين عامًا في الوزارة، وقتل. ومن عجائب القدر أن يموت السلطان بعده بخمسة وثلاثين يومًا، وبموتهما انتهت سعادة البيت السلجوقي، ووقعت بين رؤسائه الفتن وحكموا بينهم السيف.
وكان ملكشاه له أربعة بنين وهم بركيارق ومحمد وسنجر ومحمود فتولى بركيارق، ولكن الخليفة مات فجأة قبل أن يوقع تقليده السلطنة.
خلافة أبي العباس أحمد المستظهر بالله
(من محرم 487هـ حتى ربيع آخر 512هـ)
كان المستظهر لين الجانب، كريم الأخلاق، مسارعًا في أعمال البر، وكانت أيامه أيام سرور لرعيته. تولى ملك العراق في عهده بركيارق بن ملكشاه الذي لم يحسن اختيار معاونيه، مما جرّأ عمه تُتُش بن ألب أرسلان صاحب دمشق أن يطلب السلطنة لنفسه، وقامت بينهما معارك انتهت بقتل تتش سنة 487هـ، واستقام الأمر لبركيارق بعد أن كاد يضمحل.
طلب السلطنة كذلك أخو بركيارق محمد بن ملك شاه فكان ذلك فاتحة شر مستطير على هذين الأخوين، بل على البيت السلجوقي كله، بل على الإسلام جميعًا، فقد ظلت نيران الحرب بينهما مستعرة من سنة 492هـ حتى سنة 497هـ، أي خمس سنين، فتحرك الإفرنج من مرابضهم للإغارة على البلاد الإسلامية لتخليص البيت المقدس كما زعموا، وملوك الإسلام وهم من بيت واحد وأبناء رجل واحد يتطاحنون ويتخاصمون، حتى تم الصلح بينهما كلٌّ على البلاد التي تحت يديه، فزال الخلف والشغب، ولكن لم تطل مدة بركيارق بعد هذا الصلح فإنه توفي في 2 من ربيع الآخر سنة 497هـ، وتم الأمر من بعده لأخيه محمد الذي لم يكن موفقًا في اختيار وزرائه وولاته فكثر التغيير والاضطراب في عهده، واستمر ملك محمد إلى سنة 511هـ، وكان عادلاً حسن السيرة شجاعًا.. واختير للملك بعده ابنه السلطان مغيث الدنيا والدين أبو القاسم محمود بن محمد بن ملك شاه، وبعدها بأربعة أشهر توفي الخليفة المستظهر بالله.
خلافة أبي منصور الفضل المسترشد بالله بن المستظهر
(من ربيع آخر 512هـ حتى قتل في ذي القعدة 529هـ)
كان شهمًا شجاعًا كثير الإقدام بعيد الهمة وكان بليغًا حسن الخط، يقول عنه ابن الأثير: "ولقد حاول أن يعيد شيئًا من مجد أهل بيته، فحالت الأقدار بينه وبين ما أراد".
كان سلطان العراق لأول عهده: السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه، ولكن عمه سنجر بن ملكشاه (وكان ملك خراسان وما إليها من بلاد ما وراء النهر) لم يرضه هذا الوضع، فتوجه إلى العراق والتقيا بجيوشهما؛ محمود وعمه سنجر عند الري، وانتصر سنجر وخطب على المنابر له، وكان يقيم بالأهواز ثم تصالحا على أن يخطب لمحمود من بعد عمه، وردَّ عليه جميع ما أخذ منه سوى الري.
وفي سنة 514هـ قام ضد محمود أخوه مسعود بن محمد (وكان له الموصل وأذريبجان)، فتقاتلا فانهزم عسكر مسعود، ثم تصالحا.
هذا النزاع بين عظماء السلاجقة جعل الخليفة المسترشد يحاول أن يعيد هيبة الخلافة، فقاد الجيوش بنفسه لمحاربة المخالفين، ولم يكن للخلفاء عهد بذلك منذ زمن طويل، ولا شك أن الملوك السلجوقيين لا يعجبهم ذلك، فإنهم يرون ذلك تقليصًا لدورهم وخطرًا على نفوذهم، ولذا عزم محمود بن محمد بن ملكشاه أن يدخل بغداد ولم يكن مقيمًا بها، ولكن الخليفة وقف له وحاول منعه بالقوة، فلما رأى إصرار محمود آثر الصلح، فدخل محمود بغداد سنة 521هـ وأقام بها بضعة أشهر، ثم فارقها بعد أن حمل إليه الخليفة الخُلَع والدواب الكثيرة.
وفي سنة 524هـ استطاع محمود أن يستولي على قلعة الموت من يد صاحبها الحسن بن الصباح الاسماعيلي الباطني.
وفي سنة 525هـ توفي السلطان محمود فاضطرب الأمر من بعده حتى ولي أخوه مسعود الملقب بـ(غياث الدنيا والدين).
محاولة ثانية للخليفة
مرة أخرى حاول الخليفة المسترشد أن يعيد هيبة الخليفة، وأن يتحرر من نفوذ السلاجقة باستعمال القوة معهم؛ مما سبب نفرة بينه وبين السلطان مسعود أدت إلى أن أمر الخليفة بقطع خطبة مسعود من منابر بغداد، وجهز جيشًا لحرب مسعود ومعه جنود كثيرة، لكنها لم تكن ذات عصبية تصدق عند اللقاء، لذا لما تواجه الطرفان تحول كثير من عسكر الخليفة الأتراك إلى السلطان مسعود، فانهزم جند الخليفة، وثبت الخليفة حتى أُسر وقتل في 16من ذي القعدة سنة 529هـ.
خلافة الراشد أبو جعفر المنصور
وتولى بعده ابنه الراشد أبو جعفر المنصور في 27 من ذي القعدة سنة 529هـ، الذي دخل في مواجهة مباشرة مع السلطان مسعود، فخلع بعد 11 شهرًا و11 يومًا.