خلافة المهدي
المصحف الشريفتولى الخلافة من ذي الحجة 158هـ حتى محرم 169هـ، وعمره 32 سنة.
كانت خلافته مرفهة عن الناس فأمر بإطلاق من كان في سجن المنصور من المعارضين، وكان يجلس للمظالم بنفسه فسارت الأمور في عهده طبيعية مع توسع في العمران.. ومن آثاره زيادته في المسجد الحرام فأدخل فيه دورًا كثيرة مما يحيط به وأمر بمحو اسم الوليد بن عبد الملك من حائط المسجد النبوي وكتابة اسمه.
والحق أن المنصور وطّد للمهدي الأوضاع، وأخضع له الرقاب فأراح مَن بعده وكان المهدي يرسل أبناءه للغزو.
من الفتوحات في عهده
وفي سنة 163هـ بعث ابنه هارون الرشيد على رأس قوة من بلاد خراسان ومعه خالد بن برمك، ونال من الأعداء نيلاً عظيمًا وأصبح بعد ذلك واليًا على الشطر الغربي من المملكة الإسلامية.
ولم تحدث في عهده فتوح واسعة ولم تُضَم مدن كبيرة إلى بلاد الإسلام، إلا أن الانتصارات كانت كبيرة والغنائم كثيرة.
وفي سنة 165هـ جهز المهدي ولده الرشيد لغزو بلاد الروم، وأنفذ معه من الجيوش عددًا كبيرًا فلما عاد سنة 166هـ من بلاد الروم دخل الرشيد بغداد في أبهة عظيمة، ومعه الروم يحملون الجزية من الذهب وغيره.
وفي سنة 167هـ وجَّه المهدي ابنه موسى الهادي إلى جرجان في جيش كثيف لم يُرَ مثله.
من مآثره وحسن سياسته
ذكروا أنه هاجت ريح شديدة فدخل المهدي بيتًا في دار فألصق خده بالتراب وقال: "اللهم إن كنت أنا المطلوب بهذه العقوبة دون الناس فها أنا ذا بين يديك، اللهم لا تشمت بي الأعداء من أهل الأديان"، فلم يزل كذلك حتى انجلت.
ودخل عليه رجل يومًا ومعه نعل فقال: هذه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهديتها لك فقال: هاتها فناوله إياها، فقّبلها ووضعها على عينيه وأمر له بعشرة آلاف درهم، فلما انصرف، قال المهدي: والله إني لأعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير هذا النعل، فضلاً عن أن يلبسها ولكن لو رددته لذهب يقول للناس: أهديت إليه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّها على، فتُصدقه الناس؛ لأن العامة تميل إلى أمثالها، ومن شأنهم نصر الضعيف على القوى وإن كان ظالمًا، فاشترينا لسانه بعشرة آلاف درهم ورأينا هذا أرجح وأصلح.
وكان يتتبع الزنادقة (المارقين عن الدين)، ويعاقبهم بالقتل.
وبالجملة فإن للمهدي مآثر ومحاسن كثيرة يقصر المقام عن ذكرها ثم توفي -رحمه الله- وكان قد استخلف من بعده ابنه موسى الهادي.
خلافة موسى الهادي
تولى الحكم من محرم 169هـ حتى من ربيع 170هـ، وعمره 25 سنة، وكان يسير على هدي أبيه في محاربة الزنادقة.
وقعة فخ
وقامت في عهده محاولة للخروج عليه من قبل الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وكان بالمدينة، ولكنه قُتِل على يد جيش الهادي بعد تسعة أشهر وثمانية عشر يومًا وسميت هذه المعركة معركة فخ وأفلت من هذه المعركة إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب واتجه إلى مصر ومنها انطلق إلى المغرب حيث أسَّس دولة الأدارسة التي سيأتي ذكرها.
من مآثره
كان موسى الهادي شديد الغيرة على حرمه، وقد نهى أمه الخيزران أن يدخل عليها أحد من القواد أو رؤساء حكومته بعد أن كان لها نفوذ في عهد المهدي؛ ولذا يقولون إنها سمته لعزلها عن أمر الملك، ولأنه ضيَّق على الرشيد (الخليفة من بعده)؛ لأنه أراد أن يعدل عن استخلافه إلى استخلاف ابنه جعفر وفعل النمّامون وأصحاب النفوس الدنيئة فعلتهم في الإيقاع بينه وبين أخيه الرشيد.
وكان الهادي شهمًا خبيرًا بالملك كريمًا، وكان من كلامه: ما أصلح الملك بمثل تعجيل العقوبة للجاني، والعفو عن الزلات؛ ليقل الطمع عن الملك.
كان الهادي يرى أن الناس إنما يصلحهم عدم احتجاب خليفتهم عنهم، بل معايشتهم ومعايشة مشكلاتهم فكان يأمر حاجبه الفضل بن الربيع قائلاً: "لا تحجب عني الناس؛ فإن ذلك يزيل عني البركة". وكان قوي البأس، يثب على الدابة وعليه درعان.
توفي الهادي في ربيع أول سنة 170هـ، وصلى عليه أخوه هارون.