النصوص الواردة في علاج الغضب من خلال الهدي النبوي
قد سبق ذكر بعض نصوص الوحي في مجال ذم الغضب والآن نذكر بعض النصوص التي فيها بيان العلاج له، إذ أن الشرع الحكيم لم يترك لنا شيء من أمور الدين أو الدنيا إلا وبينها لنا قال تعالى : { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } [ الأنعام : 38 ] وفي الحديث عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال قيل له : " لقد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة، قال : أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول وأن لا نستنجي باليمين وأن لا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي برجيع ( الرجيع نجس ) أو عظم " ( أخرجه أبو داود في سننه 1/49، وقال الألباني : صحيح انظر صحيح أبي داود 1/5 ) ، أضف إلى ذلك أن الله لم ينزل من داء إلا وأنزل معه دواء فكان لا بد من ذكر علاج الغضب والذي من خلاله يتبين لنا عندها وجه الإعجاز في موضوعنا هذا، وإليك النصوص مع التعليقات عليها :
1. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لو يقول أحدكم إذا غضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ ذهب عنه غضبه " ( المعجم الصغير للطبراني3/157، برقم : 1017 ) .
2. عن أبي ذر رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : " إذا غضب أحدكم، وهو قائم، فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع " ( سنن أبي داود12/402، برقم : 4151 ) .
3. عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " علموا، ويسروا ولا تعسروا، وإذا غضب أحدكم، فليسكت " ( مسند أحمد5/61، برقم : 2029 ) . مما تقدم من النصوص يمكن أن نقسم أنواع العلاج النبوي إلى عدة أقسام كما يلي :
1. الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وهي أسهل وسيلة وأسرعها في علاج الغضب وكظمه، ومن خلال استقراء الحالات التي شاهدتها أنا شخصيا أجزم بأن التعوذ من الشيطان الرجيم له سر عجيب وواضح للعيان، قال تعالى : { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [ فصلت : 36 ] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لو يقول أحدكم إذا غضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ ذهب عنه غضبه " ( المعجم الصغير للطبراني3/157، برقم : 1017 ) .
2. السكوت وعدم الانتصار للنفس، وهي وسيلة عظيمة لكنها تحتاج إلى شيء من المجاهدة الجسمانية ومراقبة الإنسان نفسه في حال الغضب ليستطيع تطبيقها، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " علموا، ويسروا ولا تعسروا، وإذا غضب أحدكم، فليسكت " ( مسند أحمد5/61، برقم : 2029 ) ، قال ابن رجب رحمه الله تعالى : " وهذا أيضاً دواء عظيم للغضب ؛ لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيراً من السباب وغيره مما يعظم ضرره، فإذا سكت زال هذا الشر كله عنده، فهنيئا لمن امتثل هذه الوصية وعمل بها ولا شك أنها وصية جامعة مانعة لجميع المسلمين .
فإن قوله : " لا تغضب " يتضمن أمرين عظيمين : أحدهما : الأمر بفعل الأسباب، والتمرن على حسن الخلق، والحلم والصبر، وتوطين النفس على ما يصيب الإنسان من الأذى القولي والفعلي، فإذا وفق لها العبد، وورد عليه وارد الغضب، احتمله بحسن خلقه، وتلقاه بحلمه وصبره، الثاني : الأمر بعد الغضب أن لا ينفذ غضبه : بتطبيق أحد الوسائل أو جميعها، لأن الغضب غالبا لا يتمكن الإنسان من دفعه ورده، ولكنه يتمكن من عدم تنفيذه . فعليه إذا غضب أن يمنع نفسه من الأقوال والأفعال المحرمة التي يقتضيها الغضب.
3. القيام للوضوء : وهذه الطريقة مجربة أيضا ونافعة جدا تعلمناها من نبينا صلى الله عليه وآله وسلم فيها أثر بالغ في زوال الغضب واستئصاله، عن عطية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " ( سنن أبي داود12/403، برقم : 4152 ) .
والاغتسال بالماء البارد أو غسل الوجه واليدين به ، أحدث توصية طبية لها أثرها البالغ في تهدئة الجهاز العصبي . فالغضب يتولد من الحرارة العامة والتعرق والإحساس بالضيق ، ويأتي الماء البارد ليخفف من هذه الأعراض . والوضوء الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم يضفي فوق ذلك شعوراً بالعبودية لله عند قيام الغاضب بهذا الفعل التعبدي ، يزيد من إحساسه بالأمن والرضى.
4. تغيير الحالة التي هو عليها : فإن كان قائماً فليجلس، وإلا فليضطجع؛ لما ورد في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : " إذا غضب أحدكم، وهو قائم، فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع " ( سنن أبي داود12/402، برقم : 4151 ) . وفي هذا إشارة إلى الأمر بالسجود وتمكين أعز الأعضاء من أذل المواضع لتستشعر به النفس الذل وتزيل به العزة والزهو الذي هو سبب الغضب .
5. الإكثار من ذكر الله تعالى قال تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [ الرعد : 28 ] فمن اطمأن قلبه بذكر الله تعالى كان أبعد ما يكون عن الغضب، قال عكرمة رحمه الله تعالى في قوله تعالى : { وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } [ الكهف : 24 ] أي : إذا غضبت. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " ليس الشديد بالصُّرَعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " ( أخرجه البخاري في صحيحه 5/2267، برقم : 5763 ) ، قال ابن تيمية –رحمه الله تعالى – : " ولهذا كان القوي الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب حتى يفعل ما يصلح دون ما لا يصلح فأما المغلوب حين غضبه فليس هو بشجاع ولا شديد " ( مجموع الفتاوى 28/158 ) .
نجمل مما تقدم أن علاج الغضب يكون بواحدة من تلك الطرق المتقدمة أو بجميعها ولا مانع في ذلك ، كما نستطيع أن نقول أن بعضها عبارة عن طرق عملية بدنية كالوضوء وتغيير وضعية الجسم، وبعضها قولية كالتعوذ من الشيطان الرجيم والذكر ، وبعضها معنوية كالسكوت ومجاهدة النفس وتربيتها على ما ينفعها في معالجة الغضب وهي الوسيلة الأكثر أهمية في نظري ليستقيم بعدها حال الإنسان ويستريح من هذا الداء العضال.