أول من صنف الصحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم . وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري القشيري من أنفسهم . ومسلم - مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه - يشاركه في أكثر شيوخه .
وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز . وأما ما روينا عن الشافعي رضي الله عنه من أنه قال : " ما أعلم في الأرض كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك " ، ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ ، فإنما قال ذلك قبل وجود كتابي البخاري ومسلم .
ثم إن كتاب البخاري أصح الكتابين صحيحا ، وأكثرهما فوائد .
وأما ما رويناه عن أبي علي الحافظ النيسابوري أستاذ الحاكم أبي عبد الله الحافظ من أنه قال : " ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم بن الحجاج " ، فهذا وقول من فضل من شيوخ المغرب كتاب مسلم على كتاب البخاري ، إن كان المراد به أن كتاب مسلم يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح ، فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسرودا ، غير ممزوج بمثل ما في كتاب البخاري في تراجم أبوابه من الأشياء التي لم يسندها على الوصف المشروط في الصحيح ، فهذا لا بأس به . وليس يلزم منه أن كتاب مسلم أرجح فيما يرجع إلى نفس الصحيح على كتاب البخاري . وإن كان المراد به أن كتاب مسلم أصح صحيحا ، فهذا مردود على من يقوله . والله أعلم .