الذي أذكره، والله أعلم، أنه نوع من شعر الغزل، وموضوعه ما يسمى بالحب العفيف، ومن أشهر ما كتب فيه مجنون وليلى.
أدخلت المصطلح في الشبكة فوجت هذا التعريف، أحسبه تعريفا جيدا:
نشات ظاهرة الغزل العذري منذ العصر الجاهلي ونضجت هذه الظاهرة في العصرالاموي وكانت تعبيرا عن الحب العفيف.
منقول:
مفهوم الغزل العذري
هو غزل طاهر عفيف يصور فيه الشاعر مكابدة العشق والم البعدعن الحبيبة ولا يحفل فيه بجمال المراة الجسديبقدر ما يحفل بقوة اسرها وجاذبيتهاويقتصر فيه على محبوبة واحدة يخلص لها طوال حياته.
نشأته
ينسب هذا اللون من الغزل إلى بني عُذرة الذينكانوا يسكنون بوادي القرى شمال المدينة المنورة ويرويأن سعيد بن عقبة سألاعرابيا ممن الفتى ؟ قال من قوم اذا عشقوا ماتوا ، قال غُذري ورب الكعبة فممّذاكقال الاعرابي في نسا ئنا صباحة ، وفي فتياننا عفة، وقد ترددت أخبار عشقهم ،فوصفوا بأنهم أشد خلق اللهعشقاً فكانوا مضرب الامثال في شدة الحب وصدقه وقدجمعوا الى رقة القلوب شدة العشق عفافاً وتحرجاًمن المآثم . لكن هذا الحب العذريلم يكن مقصورا على بني عُذرة ، فقد شاع أيضاً في بعض القبائل ومنهابنو عامرالذين سكنوا في اطراف نجد وظهر فيهم مجنون ليلى( قيس بن الملوح) وترجع بدايات هذاالغزل الىالعصر الجاهلي ولكنه ترعرع في هذا العصر حين طرأت على المجتمعالاسلامي في الحجاز عواملاجتماعية وسياسية فقد شاع في حواضر الحجاز الغنىوالترف واللهو ، بينما اهل البادية الحجازيةفقراء لم يتح لهم اللهو وقدانقطعوا عن حياتهم الجاهلية وتأثروا بالاسلام وبالقران خاصة فنشأ في نفوسهمشيءمن التقوى . فأدى بهم الى شيء من المثل الاعلى في الحياة الخلقية وظهر بينهم الزهد، والغزل العفيف بعيـداً عن ألوان الفساد .
وكان من نتيجة التحول في الحياة انظهر شعراء لا يصفون الملذات وانما يتصدون الى وصف العواطف الحارةالصادقة التيتعذب صاحبها دون أن تتيح له لذة مادية حسية وانما اللذة الوحيدة التي يجنيها هي لذةالالمفي الحب ولوعة الاشتياق إلى المحبوبة ولهذا اللون من الغزل جذور في العصرالجاهلي ولكنه اصبح فنّاًمستقلاً في العصر الاموي على الرغم من ان غزلالعذريين من الجاهايين فيه ما في غزل العذريين من الامويينمن صدق العاطفةوحرارتها ، والاقتصار على محبوبة واحدة والاهتمام بجمال المراة المعنوي اكثر منالعنايةبجمالها الجسدي وتنقّل الشاعر في تعبيره عن حبه بين شوقه والمه وصدّالمحبوب ووصاله والامل في هذاالحب واليأس من الوصول الى الحبيب ويذكرون ان الفتيانكثيرا ما كانوا يخالطون قريباتهم وبنات اعمامهماو كانوا ينشأون معا في بيت واحدفاذا كبر الفتى ونضجت الفتاه تحابا كما احب ( عروة بن حزام )
ابنة عمه ( عفراء) ( والمرقش الاكبر ) ابنة عمه ( اسماء).
وكان اللقاء الاول يتم اما في السفرالترحال والمرور بديار الفتاة او الفتى او في المراعي كما الحال في حب قيس بنالملوح ابنة عمه ليلى وهما يرعيان الغنم ويدل على ذلك:
تعلقت ليلى وهـي ذاتُ تمائـمً
ولم يبدُ للاتراب من ثديها حجمُ
صغيرين نرعى البهم ياليت أنّنا
الى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهمُ
مضامين الغزل العذري
ان الموضوع الذي يستغرق شعر الشاعر العذري ، هو البحث عن المراة الوحيده المعشوقة دون أن تصل اليها وان يطلبها الشاعر فلا يحصل منها الا على طيف الزيارة ، وبعض الحديث ، فتثور في نفسه مكامن اللوعة والحسرة، وتخرج زفرات الحب من تلك النفس حارة صادقة ، فيفرغها في هذا الشعر الذي نجده عند عامةالشعراء العذريين حزيناً باكياً.
ويعتمد هذا الشعر على تصوير الآم البعد، وعذاب الفراق ، ولوعة المكابده، وحرارة الحرمان من غير طائلوقد يصل الامر بالشاعر ان يكتفي من المحبوبة بالنظرة العاجلة او الوعد الكاذب،
( يقول جميل بثينة)
وإنّـي لأرضـى مـن بُثينـة بـالـذي=لو ادركه الواشي لقرّت بلابلُـه
بـــلا وبـــألاّ استـطـيـع وبالـمـنـى=وبالأمل المرجُوّ قد خـاب آملُـه
وبالنظرةالعجلى وبالحول ينقضي=أواخُـــرهُ لا نلـتـقـي وأوائــلُــه’
فالشاعر يرضى من حبيبته ان تقول له ( لا) اذا دعاها للقاء او ان تعدهولا تفي بهذا الوعد او ان تُوملّهثم تخيّب ذلك الامل فاذا يئسمن لقائهااكتفى بنظرة سريعة اليها لعلّ تلك النظرة تطفئ ما في فؤادهمن لوعة الوجد ، ثماناّ نرى هذا الشاعر يبلغ به اليأس حدّا يدفعه الى الاكتفاء برؤية صاحبتهمرةواحدةفي الحول ، وقلما يكون هذا اذا حالت دون ذلك ظروف او اعترضت سبيلهعقبات .
ولنا هنا ان نتصور ما يقاسيه هذا الشاعر وامثاله من الشعراء العذريينالمعذبين الذين ملا عليهم عشقهمليلهم ونهارهم فهم في مكابدة دائمة ما دامتقلوبهم تنبض بالحياة لا يهدأون ولا يستقرون .
يعبر عن هذا اجمل تعبير شاعر عذريتحكى قصته ، قصة كل عاشق معذّب ، وكثيرين من اولئك العشاقبانه ظفر بمحبوبته ،وتزوجها ولم يدم الزواج ، وطلقت على الرغم منه وُجنّ الشـــــــــاعر اوكـــــــــاد ، انــه قيس بن ذريح ، يقول الشاعر مصوراً مكابدة العشق:
أُقضّي نهـاري بالحديـث وبالمنـى ويجمعـنـي والـهّـم باللـيـل جـامـعُ
نهاري نهـارُ النـاس حتـى اذا بـدلي الليُـل هزتنـي اليـك المضاجـعُ
لقد رسخت في القلب منـك مـودة ًكما رسخت في الراحتين الاصابعُ
أحـال علـي الهـمُّ مـن كـل جـانـب ودامت فلـم تبـرح علـيّ النواجـعُ
وأهجركـم هجـر البغيـض وحُبّكـم على كبدي منه شـؤون ً صـوادعُ
نموذج من الغزل العذري يقول كثير عزّة:
لعزة أطلالً أبت ان تكلّ
=تهيج مغانيها الطروب المُتيّما
أبت وابى وجدي بعزّة اذ نأت
=على عدواء الدار ان يتصرما
فان أنجدت كان الهوى بك مُنجدا
وان أتهمت يوما بها الدار أتهما
يطالبها مستيقنا لا تثيبُهُ
وكن يسُلي النفس كي لا يلما
على ان في قلبي لعزة وقرةً
من الحب ما تزداد الا تتّيما ا
تروكً لسقط القول لا يُهتدى به
ولاهي تُستوصي الحديث الكتمّا
يحسب نسوان لهنّ وسيلةً
من الحب لابل حبّها كان أقدما
وعُلّقتها وسط الجواري غريرةً
وما قلّدت الا التّميم والمنظّما
وكنتُ أذا ما جئتها بعد هجرةً
تقاصر يومئذ نهاري وأغيما
فاقسمت لا أنسى لعزةً نظرةً
لها كدتُ أبدي الوجد مني المُجمجما
عشية اومت والعيون حواضر
اليّ برجع الكفّ ان لا تكلّما
فاعرضت عنها والفؤاد كانما
يرى لو تُناديه بذلك مغنما
عدواء الدار ---- بعدها
يتصرم ----- ينقضي
وقرة -------- الصدع / الجرح
غريرة ----- ساذجة صغيرة السن
الوجد المجمجما----- الوجد المخفي في الصدر
تمثل هذه الابيات فترة متاخره من عمر الشاعر بعد ان عصف الزمان بحبهما وافترقا ولم يبق لهما من ذلك الحب الا الذكريات التي تثير الاشجان وتبعث الاحزان.
اما لغة الشاعر واسلوبه فقد توافقا ومضامين الابيات التي قدمها لنا في صورة جمل اخبارية متتابعة في
سهولة ويسر ويبدو فية الحوار بين الحبيبين صامتا مكتفيا بالايماء ة والاشارة .
سمات الغزل العذري
تجاوز الشعراء العذريون في قصائدهم اتجاهات الشعراء الغزليين الجاهليين وكذلك تميزوا عن الشعراء الذين
عاصروهم من اصحاب الغزل الصريح فبدت اشعارهم نسيجا جديدا في الشعر الغزلي عند العرب له خصائصه
وسماته لكن هذه الخصائص لا تستغرق الشعر الغذري كله وانما هي تتباين وتفترق في بعض الجزئيات من شاعرالى اخر .
خصائص الغزل العذري
1-الا قتصار على محبوبة واحدة –
2 وحــــــــدة الموضوع
3-- بساطة المعاني والسهولة والوضوح
4-الصــــــــــــدق
5-- العفّــــــــــــــة
6-- الحزن والتشاؤم
من أروع ما قاله شعراء الغزل، وأخص بالذكر، شعراء الغزل العذري، الذين عانوا ولاقوا الويلات في حبّهم...
مجنون ليلى (قيس بن الملوّح بن مزاحم بن ربيعة العامري):
"أُعلِّل مِنكِ النّفسَ بالوعدِ والمنى=فهل بيأسٍ منكِ ليلى أُعلّلُ ؟
أهيمُ بكم في كلّ يومٍ وليلةٍ=جُنونًا وجسمي بالسّقام مُوكَّلُ"
" أبوسُ تُرابَ رجلِكِ يا لَوَيْلي=ولولا ذاكَ لا أُدْعى مُصابا
وما بَوْسُ الترابِ لحُبِّ أرْضٍ=ولكن حبُّ من وطئ الترابا"
"لليلى على قلبي من الحبِّ حاجزٌ=مقيمٌ، ولكنّ الفراقَ عظيمُ
فواحدةٌ تبكي من الهجر والقِلى=وأخرى لها شجوٌ بها وتهيمُ
ويُنهضني من حُبِّ ليلى نواهِضٌ=لهنّ حريقٌ في الفؤاد مُقيمُ
إلى الله أشكو فَقْدَ ليلى كما شكا=إلى الله فَقْدَ الوالدَيْنِ يتيمُ
يتيمٌ جفاهُ الأقربونَ فعَظْمُهُ=ضعيفٌ وعهدُ الوالدَيْنِ قديمُ
وإنَّ زمانًا فرّقَ الهجرُ بيننا=وبينكِ يا ليلى فذاكَ ذَميمُ"
جميل بثينة:
"إنّي لأحفظُ غَيْبَكُم ويسرّني=إذ تذكُرين بصالحٍ أن تذكُري
ويكونُ يومٌ لا أرى لكِ مُرْسَلًا=أو نلتقي فيه عليّ كأشهُرِ
يا ليتني ألقى المنيّةَ بغتةً=إن كان يومُ لقائكم لم يُقْدَرِ
أو أستطيعُ تجلُّدًأ عن ذكرِكُم=فيُفيقُ بعضُ صبابتي وتفكُّري
لو قد تُجنُّ كما أُجنُّ من الهوى=لعَذَرْتَ أو لظلمتَ إنْ لم تعذُرِ
والله ما للقلب من علمٍ بها=غيرُ الظنون وغير قول المُخبرِ
لا تحسبي أنّي هجرتُكِ طائعًا=حَدَثٌ لعمرُكِ رائعٌ أن تهجُري
فَلْتَبْكِيَنَّ الباكياتُ وإن أَبُحْ=يومًأ بسرِّكِ مُعْلِنًا لم أُعْذَرِ
يهواكِ ما عشتُ الفؤادُ فإنْ أمُتْ=يتبعْ صَدايَ صداكِ بينَ الأقبُرِ
ما أنتِ والوعدِ الذي تعدينني=إلّا كبرقِ سحابةٍ لم تُمطِرِ
قلبي نَصَحْتُ لهُ فرَدَّ نصيحتي=فمتى هجرتيهِ فمنهُ تكثّري "
" وما زِلتُم يا بَثْنَ حتّى لو أنّني=من الشَّوق أستبكي الحمامَ بكى ليا
إذا خَدِرَتْ رجلي وقيلَ شفاؤها=دُعاءُ حبيبٍ كنتِ أنتِ دُعائيا
وما زادني النّأيُ المُفرِّقُ بعدكم=سُلُوًّا ولا طولُ التلاقي تلاقيا
ولا زادني الواشون إلا صبابةً=ولا كثرةُ الناهينَ إلا تمادِيا
ألم تعلمي يا عذبَةَ الرّيقِ أنني=أَظلُّ إذا لم أَلقَ وجهَكِ صادِيا
لقد خِفْتُ أن ألقى المنيّةَ بغتةً=وفي النفس حاجاتٌ إليكِ كما هيا