أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، إبن عم الرسول الأعظم صلَّى اللَّه عليه وآله، وأول من لبَّى دعوته واعتنق دينه، وصلّى معه.
هو أفضل هذه الأمة مناقب، وأجمعها سوابق، وأعلمها بالكتاب والسنة، وأكثرها إخلاصاً لله تعالى وعبادة له، وجهاداً في سبيل دينه، فلولا سيفه لما قام الدين، ولا انهدت صولة الكافرين.
نعم، لم تعرف لإنسانية في تاريخها الطويل رجلاً - بعد الرسول الأعظم (ص) أفضل من علي بن ابي طالب ولم يسجّل لإحد من الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وآله من الفضائل والمناقب والسوابق، ما سجّل لعلي بن ابي طالب، وكيف تحصى مناقب رجل كانت ضربته لعمرو بن عبدود العامري يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين، وكيف تعد فضائل رجل اسرّ اولياؤه مناقبه خوفا، وكتمها أعداؤه حقداً، ومع ذلك شاع منها ما ملأ الخافقين، وهو الذي لو اجتمع الناس على حبه - كما يقول الرسول صلى الله عليه وآله - لما خلق الله النار.
والحديث عن علي بن ابي طالب طويل، لا تسعه المجلدات، ولا تحصيه الأرقام، حتى قال ابن عباس لو أنّ الشجرَ اقلامٌ، والبحرَ مدادٌ، والإنس والجن كتّاب وحسّاب، ما أحصوا فضائل أمير المؤمنين عليه السلام.
وكان لا بد لنا من الإختصار في الكتابة في هذة السلسة العلوية، وحسبنا أن نشير فيها إلى بعض خصائصه، ومناقبه، وعليها فقس ما سواها.
ولادته
ولد عليه السلام بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصم رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة ولم يولد في البيت الحرام سواه قبله ولا بعده وهي فضيلة خصه الله بها إجلالاً له واعلاءً لرتبته وإظهاراً لتكرمته. وقيل ولد لسنة ثمان وعشرين من عام الفيل، والأول عندنا أصح وكان عليه السلام هاشمياً من هاشميين، وأول من ولده هاشم مرتين (أي من قبل الأب والأم)، فمن جهة الأب فهو علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف، ومن قبل الأم فهي فاطمة بنت أسد بنت هاشم بن عبد مناف.
في مقتله عليه الصلاة والسلام: لما تواعد إبن ملجم - عليه لعنة الله وملائكته وخلقه - وصاحباه على قتل علي عليه السلام ومعاوية وعمرو بن العاص دخل إبن ملجم المسجد في بزوغ الفجر الأول فدخل الصلاة تطوعاً وافتتح القراءة فأقبل علي عليه السلام وبيده مخفقة وهو يوقظ الناس للصلاة فمر بابن ملجم لعنه الله ودخل الصلاة فتبعه ابن ملجم لعنه الله فضربه على قرنه ووقع ذبابة السيف في الجدار فأطار فدرة من آجره فابتدره الناس ووقع السيف منه فجعل يقول: أيها الناس احذروا السيف فإنه مسموم فمات روحي وروح العالمين له الفدا من تلك الضربة بعد ليلتين منها فأخذه (ابن ملجم) عبدالله بن جعفر فقطع يديه ورجليه وروى الحافظ أبوبكر البيهقي: خرج علي عليه السلام لصلاة الفجر فأقبل الوز يصحن في وجهه فطردوهن عنه فقال: دعوهن فإنهن نوائح ولما ضرب عليه السلام قال: فزت ورب الكعبة.. وفي الحديث أن النبي (ص) قال لعلي عليه السلام ألا أخبرك بأشد الناس عذاباً يوم القيامة؟ قال: أخبرني يا رسول الله. قال: فإن أشد الناس عذاباً يوم القيامة عاقر ناقة ثمود، وخاضب لحيتك بدم رأسك وصاحباه (الذين كانا مع إبن ملجم).
عمره
في عمره الشريف سلام الله عليه: مضى أمير المؤمنين عليه السلام وهو إبن خمس وستين سنة ونزل الوحي وله إثنا عشر سنة وأقام بمكة مع النبي (ص) ثلاث عشر سنة ثم هاجر فأقام معه بالمدينة عشر سنين وأقام بعده ثلاثين سنة وقبض عليه السلام في ليلة الجمعة إحدى وعشرين من شهر رمضان المبارك سنة أربعين من الهجرة وقبره بالغري بمدينة النجف الأشرف في العراق. دفنه الحسن عليه السلام في الغـري، وأخفى قبره مخافة الخوارج ومعاوية، وهو اليوم ينافس السماء سمو ورفعة، على أعتابه يتكدس الذهب، ويتنافس المسلمون في زيارته من جميع العالم الإسلامي.
إمامته
واختلفت الأمة في إمامته بعد وفاة رسول الله (ص) وقالت شيعته وهم: بنوهاشم كافة وسلمان وعمار وأبوذر والمقداد وخزيمة بن ثابت ذوالشهادتين وأبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله وأبوسعيد الخدري في أمثالهم من أجلة المهاجرين والأنصار: أنه كان الخليفة بعد رسول الله (ص) لما إجتمع له من صفات الفضل والكمال والخصائص التي لم تكن في غيره من سبقه إلى الإسلام ومعرفته بالأحكام وحسن بلائه في الجهاد و بلوغه الغاية القصوى في الزهد والورع والصلاح وما كان له حق القربى ثم للنص الوارد في القرآن وهو قوله تعالى: ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )، والولاية كانت ثابته له عليه السلام بنص القرآن وبقول النبي (ص) يوم الدار وقوله في غديرخم، فكانت إمامته عليه السلام بعد النبي ثلاثين سنة منها أربع وعشرون سنة وأشهر ممنوعاً من التصرف آخذاً بالتقية والمداراة محلاً عن مورد الخلافة قليل الأنصار كما قال فطفقت أرتأى بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء ) ومنها خمس سنين وأشهر ممتحناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين مضطهداً بفتن الضالين واجداً من العناء ما وجده رسول الله (ص) ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعاً من أحكامها حائفاً ومحبوساً وهارباً ومطروداً لا يتمكن من جهاد الكافرين ولا يستطيع الدفاع عن المؤمنين.
ألقابه
وفي كناه وألقابه عليه السلام : أبا الحسنين وأبا الريحانتين أبا تراب أميرالمؤمنين ويعسوب الدين ومبيد الشرك والمشركين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ومولى المؤمنين وشبيه هارون والمرتضى ونفس الرسول وزوج البتول وسيف الله المسلول وأبوالسبطين وأمير البررة وقاتل الفجرة وقسيم الجنة والنار وصاحب اللواء وسيد العرب وخاصف النعل وكشاف الكرب والصديق الأكبر وذوالقرنين والهادي والفاروق الأعظم والداعي والشاهد وباب المدينة وغرة المهاجرين وصفوة الهاشميين والكرار غير الفرار صنو جعفر الطيار رجل الكتيبة والكتاب وراد المعضلات وأبو الأرامل والأيتام وهازم الأحزاب وقاصم الأصلاب قتال الألوف ومذل الأعداء ومعزالأولياء وأخطب الخطباء وقدوة أهل الكساء وإمام الأئمة الأتقياء والشهيد أبوالشهداء وأشهر أهل البطحاء ومثكل أمهات الكفرة ومفلق هامات الفجرة والحيدرة ومميت البدعة ومحيي السنة وسيد العرب وموضع العجب ووارث علم الرسالة والنبوة وليث الغابة والحصن الحصين والخليفة الأمين والعروة الوثقى وابن عم المصطفى وغيث الورى ومصباح الدجى والضرغام والوصي الولي والهاشمي المكي المدني الأبطحي الطالبي والرضي المرضي وهذا قليل من كثير.
أصحابه
أصحابه وممن بايعه بغير ارتياب بالإجماع والإتفاق: من المهاجرين: عمار بن ياسر - الحصين بن حارث بن عبدالمطلب - الطفيل بن الحارث - مسطح بن اثاثة - جهجاه بن سعيد الغفاري - عبدالرحمن بن حنبل الجمحي - عبدالله و محمد إبنا بديل الخزاعي - الحارث بن عوف - البراء بن عازب - زيد بن صوحان - يزيد بن نويرة - هاشم بن عتبه المرقال - بريدة الأسلمي - عمرو بن الحمق الخزاعي - الحارث بن سراقة - أبوأسيد بن ربيعة - مسعود بن أبي عمر - عبدالله بن عقيل - عمرو بن محصن - عدي بن حاتم - عقبة بن عامر - حجر بن عدي الكندي - شداد بن اوس .
ومن الأنصار: أبو أيوب خالد بن زيد - خزيمة بن ثابت - أبو الهيثم بن التيهان - أبوسعيد الخدري - عبادة بن الصامت - سهل وعثمان إبنا حنيف - أبو عياش الزرقي - سعيد وقيس إبنا سعد بن عبادة - زيد بن أرقم - جابر بن عبدالله بن حرام - مسعود بن أسلم - عامر بن أجبل - سهل بن سعيد - النعمان بن عجلان - سعد بن زياد - رفاعة بن سعد - مخلد وخالد إبنا أبي خالد - ضرار بن الصامت - مسعود بن قيس - عمرو بن بلال - عمارة بن أوس - مرة الساعدي - رفاعة بن رافع الزرقي - جبلة بن عمرو الساعدي - عمرو بن حزم - سهل بن سعد الساعدي .
بنو هاشم : الحسن والحسين عليهما السلام - محمد بن الحنفية - عبدالله و محمد وعون أبناء جعفر - عبدالله بن عباس - الفضل وقثم وعبيدالله أبناء عباس بن عبدالمطلب - عتبة بن أبي لهب - عبدالله بن الزبير بن عبد المطلب - عبدالله بن أبي سفيان بن الحارث .
بني هاشم وسائر الشيعة: محمد بن أبي بكر - محمد بن أبي حذيفة - مالك بن الحارث الأشتر - ثابت بن قيس - كميل بن زياد - صعصعة بن صوحان العبدي - عمرو بن زرارة النخعي - عبد الله بن الأرقم - زيد بن الملفق - سليمان بن صرد الخزاعي - قبيصة بن جابر - أويس القرني - هند الجملي - جندب الأزدي - الأشعث بن سوار - حكيم بن جبلة - رشيد الهجري - معقل بن قيس بن حنظلة - سويد بن الحارث - سعد بن مبشر - عبدالله بن وال - مالك بن ضمرة - الحارث الهمداني - حبة بن جوين العرني رحمهم الله جميعاً.
أبوه
أبوه هو أبي طالب عليه السلام واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب واسم عبدالمطلب شيبة الحمد وكنيته أبو الحارث وكان ولد أبي طالب طالباً ولاعقب له وعقيلاً وجعفراً وعلياً كل واحد أسن من الآخر بعشر سنين.
أمه
أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وكانت من رسول الله (ص) بمنزلة الأم، ربته في حجرها وكانت من السابقات إلى الإيمان وهاجرت معه إلى المدينة المنورة، وكفنها النبي (ص) بقميصه ليدرأ به عنها هوام الأرض، وتوسد في قبرها لتأمن بذلك ضغطة القبر ولقنها الإقرار بولاية إبنها كما اشتهرت الرواية.
زوجاته
أما في ذكر زوجاته(عليهم السلام) فهي فاطمة بنت محمد الرسول الأكرم (ص) سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ومن المناقب عن عبدالله بن مسعود عنه قال: قال رسول الله (ص) يا فاطمة زوجتك سيداً في الدنيا وأنه في الآخرة لمن الصالحين أنه لما أراد الله عز وجل أن أملكك من علي أمر الله جبرائيل فقام في السماء الرابعة فصف الملائكة صفوفاً ثم خطب عليهم فزوجك من علي (ع) ثم أمر الله شجر الجنان فحملت الحلي والحلل ثم أمرها فنثرت على الملائكة فمن أخذ منها شيئا أكثر مما أخذ غيره افتخر به إلى يوم القيامة، ولم يتزوج عليها حتى توفيت عنده، ثم تزوج بعدها أم البنين بنت حزام بن الوحيد بن كعب بن عامر، وتزوج أيضا ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وتزوج أيضا أسماء بنت عميس الخثعمية، وتزوج أيضا الصهباء بنت زمعة بن ربيعة بن علقمة بن الحارث بن عتبة بن سعيد، وأيضا تزوج عليه السلام من أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، - وأمها زينب بنت رسول الله (ص) - وتزوج أيضا خولة بنت جعفر بن قيس بن سلمة بن يربوع، وأيضا تزوج من أم سعيد بنت عروة بن مسعود، وتزوج أيضا محياة بنت امرئ القيس بن عدي وأفضلهن فاطمة البتول بنت محمد (ص).
إخوته: طالب ، عقيل ، جعفر
أخواته: أم هاني ، جمانة
أولاده
أما أولاده عليه السلام، فالحسن والحسين عليهما السلام سيدا شباب أهل الجنة أولاده من فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين وله أيضا منها محسن مات صغيراً حيث ورد في تاريخ الكامل: ج3 ص397 وروى ابن أبي دارم المحدث أن عمر بن الخطاب رفس فاطمة حتى أسقطت محسناً كما في ترجمة أحمد بن محمد بن السري برقم -255- من كتاب ميزان الإعتدال ج1 ص139 ومثله في كتاب لسان الميزان ج1 ص268 وذكره أيضا ابن قتيبة المتوفي سنة 276 في كتاب المعارف ص92 ط القاهرة تحقيق ثروت عكاشة قال: أن محسناً فسد من ضرب قنفذ العدوي لعنه الله مولى عمر بن الخطاب.
أيضا له منها عليها السلام زينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى، وله عليه السلام أيضا العباس وجعفر وعبدالله وعثمان وهم من زوجته أم البنين أستشهدوا مع إبنه الحسين الشهيد في واقعة الطف بكربلاء. وله أيضا عليه السلام عبدالله وأبا بكر من زوجته ليلى بنت مسعود أستشهدوا أيضا مع الحسين عليه السلام في كربلاء، وله أيضا يحيى ومحمد الأصغر من أسماء بنت عميس ولا عقب لهما، وله أيضا عليه السلام عمر ورقية من الصهباء بنت زمعة، وله أيضا محمد الأوسط من أمامة بنت أبي العاص، وله أيضا محمد بن الحنفية من خولة بنت جعفر، وله أيضا عليه السلام أم الحسن ورملة الكبرى من أم سعيد بنت عروة بن مسعود وله ايضا عليه السلام بنات من أمهات شتى منهن أم هاني وميمونة وزينب الصغرى وأم كلثوم وفاطمة وأمامة وخديجة وأم الكرام وأم سلمة وأم جعفر وجمانة ونفيسة وهؤلاء أمهاتهن أمهات أولاد.
تكملة سيرة أمير المؤمنين عليه السلام
هذه شذرات من حياة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ونسبتها إليها كقطرة ماء من البحر المحيط، أو كباقة ورد من رياحين الدنيا، نقدمها بين يديك تشم منها عبق الولاء، وتنتشق من روائحها المودة لأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.
ثم هي بعد هذا وذاك: دعوة للإستقامة على مبدأ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، والذود عنه، والسير على خطاه، والدعوة إليه؛
{ قل هذه سبيلي أدعوا الى الله على بصيرة أنا ومن أتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين }
صفته
كان عليه السلام ربع القامة، أزج الحاجبين، أدعج العينين أنجل، حسن الوجه كأن وجهه القمر ليلة البدر حسناً، وهو الى السمرة، أغيد كأن عنقه إبريق فضة، وهو أرقب، أقرى الظهر، عريض الصدر، محض المتن، شثن الكفين، ضخم الكسور، لا يبين عضده من ساعده قد اُدمجت إدماجاً، عبل الذراعين، عريض المنكبين، عظيم المشاشين كمشاش السبع الضاري، له لحية قد زانت صدره، غليظ العضلات، خمش الساقين.
خصائصه
أ - ولد في الكعبة ولم يولد بها أحد قبله ولا بعده.
ب - آخى رسول الله (ص) بينه وبين علي لما آخى بين المسلمين.
ج - حامل لواء الرسول صلى الله عليه وآله.
د - أمَّره رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض سراياه ولم يجعل عليه أميراً.
هـ - بـُلـّغ عن رسول الله صلى الله عليه وآله سورة براءة.
بيعته
بويع له بالخلافة في الثامن عشر من ذي الحجة في السنة العاشرة من الهجرة في غدير خم بأمر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، واستلم الحكم في ذي الحجة في السنة الخامسة والثلاثين من الهجرة.
عاصمته: الـكـوفة.
شــاعره: النجاشي، الأعور الشني.
نقش خاتمه: الله الملك وعلي عبده.
حروبه: الجمل ، صفين ، النهروان.
رايته: راية رسول الله صلى الله عليه وآله.
آثاره: نهج البلاغة.
بوابه: سلمان الفارسي.
كاتبه: عبدالله بن أبي رافع.
مجمع الفضائل
لم تعرف الدنيا رجلاً جمع الفضائل ومكارم الأخلاق بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله - كالإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فقد سبق الأولين، وأعجز الآخرين، ففضائله عليه السلام أكثر من أن تحصى، ومناقبه أبعد من أن تتناهى، وكيف تعد مناقب رجل قال فيه الرسول الأعظم (ص) يوم برز لعمرو بن عبدود العامري: برز الإيمان كله إلى الشرك كله، وقال فيه بعد ما قتله: ضربة علي لعمرو يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين...
في القرآن الكريم
نزل في علي عليه السلام من القرآن الكريم ما لم ينزل في غيره، وهاهي كتب التفسير والسير والتاريخ مستفيضة بذكر الآيات الواردة فيه عليه السلام. قال عبد الله بن عباس: نزل في علي ثلاثمائة آية. ونقتصرعلى البعض القليل من آيات مما نزل فيه عليه أفضل الصلاة والسلام:
1- قوله تعالى:{ الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } ( سورة البقرة آيه 274)
2- قوله تعالى:{ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } ( سورة المائدة آية 55)
3- قوله تعالى:{ أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن أمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين } ( سورة التوبة آية 19)
4 - قوله تعالى:{إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً} ( سورة مريم آية 96)
5 - قوله تعالى:{ والذي جاء بالصدق وصدّق به أولئك هم المتقون } ( سورة الزمر آية 33)
و {قل لا أسألكم عليه أجراً الا المودة في القربى}
{ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً} (أخرج احمد عن ابن عباس قال : المودة لآل محمد (ص)، عن الصواعق المحرقة)، و(في تفسير الكشاف للزمخشري عن السدي انها المودة في آل رسول الله (ص) )
وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة الآية الثالثة قوله تعالى {سلام على ال ياسين} : فقد نقل جماعة من المفسرين عن ابن عباس ان المراد بذلك سلام على آل محمد (ص)
{واعتصموا بحبل الله جميعاً}، قال في الصواعب : اخرج الثعالبي في تفسيرها عن جعفر الصادق عليه السلام انه قال : نحن حبل الله الذي قال {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}، وذكره الشبلنجي في نور الابصار ص101.
{ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية} سورة البينة، قال السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير هذه الآية، قال : واخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند النبي (ص) فاقبل علي (ع) فقال النبي (ص) : والذي نفسي بيده ان هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت {ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية}، فكان أصحاب النبي (ص) اذا اقبل علي عليه السلام قالوا جاء خير البرية ..
و كذلك {وآل ابراهيم وآل عمران}، السيوطي في الدر المنثور قال : اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله تعالى {وآل ابراهيم وآل عمران} قال : هم المؤمنون من آل ابراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد (ص)ز
و كذلك {وكونوا مع الصادقين}، قال سبط ابن الجوزي في التذكرة : قال علماء السير : كونوا مع علي (ع) وأهل بيته، وقال ابن عباس : علي سيد الصادقين.
و كذلك {فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون}، في تفسير جامع البيان للطبري ج14 ص69: حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن يمان عن اسرائيل عن جابر عن ابي جعفر في قوله {فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون} قال : نحن اهل الذكر.
قال القندوزي في ينابيع المودة: عن جعفر الصادق عليه السلام : للذكر معنيان : القرآن ومحمد (ص) ونحن اهل الذكر بكلا معنييه، أما معناه القرآن فقوله تعالى {وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم} وقوله تعالى {وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} وأما معناه محمد (ص) فالآية في سورة الطلاق {فاتقوا الله يا أولي الأباب} إلى أخرها ..
أقول : وتمام الآية : {الذين آمنوا قد انزل الله اليكم ذِكراً}
و كذلك {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح..}
المناقب لابن المغازلي قال : روى بسنده عن علي بن جعفر قال : سألت موسى بن جعفر (ع) عن قول الله تعالى {كمشكاة فيها مصباح} قال : المشكاة فاطمة والمصباح الحسن والحسين {الزجاجة كأنها كوكب دري} فاطمة بين نساء العالم
{يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية} لا يهودية ولا نصرانية
{يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور} يولد من فاطمة إمام بعد إمام (كذا ورد في غاية المرام ص215)
في أحاديث الرسول (ص)
لم يزل الرسول الأعظم (ص) منذ بعثته وحتى وفاته يشيد بأمير المؤمنين عليه السلام في كل ناد ومجمع، ومنتدى ومحفل، ولا يمكن إحصاء ما جاء من أحاديث الرسول الأعظم (ص) في الإمام عليه السلام، وليس من كتاب يتعرض للحديث أو للسيرة إلاّ وبين دفتيه أحاديث جمّة في فضل أميرالمؤمنين عليه السلام، وقد عقد أرباب الصحاح، وعلماء الحديث فصولاً في كتبهم فيما جاء في فضله عليه السلام، وقد أفرد جمع كبير من علماء المسلمين كتباً مستقلة في فضائله عليه السلام، وتدوين ما ورد فيه من سيد المرسلين (ص)، وتمشياً مع هذا المختصر فقد سجلنا خمسة أحاديث في فضله عليه السلام:
1- قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
(علي مع الحق والحق مع علي)
2- قال عمر بن الخطاب: (أشهد على رسول الله (ص) لسمعته يقول: إن السموات السبع، والأرضين السبع، لو وضعا في كفة ثم وضع إيمان علي في كفة لرجح إيمان علي بن أبي طالب).
3- في صحيحي البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص: قال: ( إن رسول الله (ص) خلف علي رضي الله عنه في غزوة تبوك فقال: يا رسول الله أتخلفني في النساء والصبيان ؟ قال (ص): أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).
4- عن أنسٍ قال: ( كنت عند النبي (ص) فرأى علياً مقبلاً فقال: أنا وهذا حجة على أمتي يوم القيامة).
5- لما خطب رسول الله (ص) خطبته المعروفة في فضل شهر رمضان المبارك ، قام أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل. ثم بكى. فقال عليه السلام: يا رسول الله ما يبكيك ؟ فقال: يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك وقد إنبعث أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة على قرنك، فخضب منها لحيتك. قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني؟ قال (ص): في سلامة من دينك، ثم قال: يا علي من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن سبك فقد سبني، لأنك مني كنفسي، روحك من روحي، وطينتك من طينتي؛ إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك، وإصطفاني وإياك، واختارني للنبوة، واختارك للإمامة فمن أنكر أمامتك فقد أنكر نبوتي؛ يا علي أنت وصيي، وأبو ولدي، وزوج إبنتي وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي، أمرك أمري، ونهيك نهيي: أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية إنك لحجة الله على خلقه، وأمينه على سره وخليفته على عباده...
و {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد} قال النبي (ص) : انا المنذر وعلي الهادي
سـيرته
كان لسيرة الرسول الأعظم (ص) وأخلاقه الأثر الكبير في نشر الإسلام، ويحدثنا التاريخ عن إسلام كثير من العرب متأثرين بأخلاقه (ص) وقد مدحه جل شأنه فقال:
{ وإنك لعلى خلق عظيم }.
وقال تعالى:{ ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك }، كما أن الجوانب الأخرى من سيرته (ص): صدقه، أمانته، عطفه، تواضعه، كرمه، شجاعته... كانت المثل الأعلى والذروة في الفضائل والمكارم.
وعلى نهج رسول الله (ص) سار إبن عمه أمير المؤمنين عليه السلام، فكانت سيرته الغراء إمتدادا لسيرة الرسول الأعظم (ص)، ونسخة طبق الأصل من أخلاقه، وما أحوج الأمة اليوم إلى تبني هذه السيرة، والتخلق بهذه الأخلاق، والسير على هداها، لنحقق آمالنا في السعادة والرخاء...
كــلامــه
لم يدون لأحد من الصحابة والخلفاء ما دون له عليه السلام من الخطب والمواعظ والكتب والوصايا والحكم، وهذا نهج البلاغة يطأطئ له البلغاء إعظاماً، وينحني له الفصحاء إجلالاً، وهو مفخرة لكل مسلم، وعز لكل موحد، وهو بعد هذا وذاك دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوق.
قال إبن الحديد: وانظر كلام أمير المؤمنين عليه السلام فإنك تجده مشتقاً من ألفاظه - أي القرآن الكريم - ومقتضباً من معانيه ومذاهبه، ومحذواً بحذوه، ومسلوكاً به في منهاجه، فهو وإن لم يكن له نظيراً ولا نداً، يصلح أن يقال: إنه ليس بعده كلام أفصح منه ولا أجزل ولا أعلى ولا أفخم ولا أنبل، إلا أن يكون كلام ابن عمه عليه السلام. وهذا أمر لا يعلمه إلا من ثبتت له قدم راسخة في علم هذه الصناعة، وليس كل الناس يصلح لانتقاء الجوهر، بل ولا لانتقاء الذهب...
حِكَمـُــه
لا يمكن حصر ما جاء من كلماته عليه السلام القصار، فقد ورد منها ما يناهز الخمسمائة كلمة، وطبع الأديب اللبناني أمين الريجاني مائة كلمة له عليه السلام في كتاب مستقل، وطبعت ألف كلمة من كلماته عليه السلام في كتاب خاص، وجمع آخرون ألفي كلمة له عليه السلام وطبعوها مؤخراً.
وهذه الكلمات القصار تحوي من الأخلاق والعرفان والآداب والعلوم ما لا تحويه مطولات الآخرين، وفيها البلسم الناجع لأمراضنا الخلقية، والترياق المجرب لمشاكلنا الإجتماعية، وقد تسنى لنا تسجيل خمساً وعشرين كلمة منها:
قــال عـليه الســـلام:
1- إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه.
2- من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.
3- من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف، والتنفيس عن المكروب.
4- يا ابن آدم إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمته وأنت تعصيه فاحذر.
5- إذا كنت في إدبار، والموت في إقبال، فما أسرع الملتقى.
6- اللسان سبع إن خلي عنه عقر.
7- عجبت لمن يقنط ومعه الإستغفار.
8- من أصلح بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه، ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ.
9- عِظم الخالق عندك، يُصغر المخلوق في عينك.
10- يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم.
11- لا طاعة لمخلوق في معصية الله.
12- لا يترك الناس شيئاً من أمر دينهم لاستصلاح دنياهم إلا فتح الله عليهم ما هو أضر منه.
13- من وضع نفسه مواضع التهمة، فلا يلومن من أساء به الظن.
14- من أحدّ سنان الغضب لله قوي على قتل أشداء الباطل.
15- بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.
16- إتق الله بعض التقى وإن قل، واجعل بينك وبين الله ستراً وإن رق.
17- إنّ لله في كل نعمة حقاً، فمن أدّاه زاده منها، ومن قصّر عنه خاطر بزوال نعمته.
18- أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه.
19- مرارة الدنيا حلاوة الآخرة، وحلاوة الدنيا مرارة الآخرة.
20- يا ابن آدم كن وصي نفسك في مالك، واعمل فيه ما تؤثر أن يُعمل فيه من بعدك.
21- إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة.
22- ما زنى غيور قط.
23- إتقوا معاصي الله في الخلوات، فإن الشاهد هو الحاكم.
24- أشد الذنوب ما استهان به صاحبه.
25- العفاف زينة الفقر والشكر زينة الغنى.
أجوبته
طالما كانت ترد على الإمام عليه السلام أسئلة محرجة فيجيب عليها بالبداهة، ويفصل أجوبتها باللحظة، وربما وردت أسئلة من علماء النصارى، ومشيخة أهل الكتاب، توارثوها صاغراً عن كابر، على من تقدمه فيعجز عنها، ويسأل المسلمين فلا يهتدون إليها، فيرجعون إليه عليه السلام ، فهو المفزع في المهمات ، والملجأ عند الشدائد...
قضاؤه
طالما رفعت إليه مشاكل عجز عنها القضاء، وحار فيها الفكر، ووقف دونها العقل، فيرجع إليه بها فهو المفزع والملجأ، وعنده فصل الخطاب، والحكم الفصل. ولا غرو أن يكون كذلك وقد قال فيه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله: أقضاكم علي، وذكر ابن سعد وبقية الجمهور عن علي عليه السلام قال: بعثني رسول الله (ص) الى اليمن، فقلت: يا رسول الله بعثتني وأنا شاب أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء.
فضرب صدري بيده ثم قال: اللهم اهد قلبه، وثـبـّت لسانه فوالذي فلق الحبة ما شككت في قضاء بين اثنين...
أدعيته القصار
مما اختص به أئمتنا عليهم السلام هو الدعاء، وهي مزية لم يشاركوا فيها، وكرامة خصصوا بها.
قال الأستاذ عبد العزيز سيد الأهل: ولم يكن أحد أقدر على هذه الصناعة - صناعة الدعاء - من أهل البيت وحسبهم الصحيفة السجادية للإمام علي بن الحسين زين العابدين، فهي زبور آل محمد، ودائرة علم كبرى، ومجموعة معارف وأخلاق، وموسوعة فريدة في العرفان والالهيات.
وقد تصدى لجمع أدعيتهم عليهم السلام مئات العلماء فجاءت في مصنفات كثيرة مضافا الى ماحوته كتب السير والتراجم.
وبين أيدينا (الصحيفة العلوية المباركة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام) تأليف عبد الله بن صالح السماهيجي، جمع فيها ما وصل اليه من أدعيته عليه السلام.
ويعكف الأستاذ علي اللبان - النجف - على جمع وتحقيق أدعية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وقد جمع مجلدا كبيرا نامل أن يخرج قريباً إن شاء الله...
إستجابة دعائه
وهذه الكرامة - إستجابة الدعاء - وردت لأئـمة أهل البيت عليهم السلام، فجل من ترجم لهم نص على بعض الحوادث التي دعوا الله تعالى فيها، واستجابة دعائهم عليهم السلام. ولا غرو في ذلك فقد ضمن الله تعالى الإستجابة لعباده المؤمنين، فقال: (ادعوني أستجب لكم) فكيف بأئمة المؤمنين، وسادة المسلمين...
شـعـــره
عن الشعبي قال: كان أبو بكر يقول الشعر، وكان عمر يقول الشعر، وكان عثمان يقول الشعر، وكان علي أشعر الثلاثة. وبين أيدينا دواوين كثيرة له عليه السلام تحتوي على صنوف الشعر الجيد، والنظم الرائع، والدر النضيد.
ولو تصفحنا هذه الدواوين لوجدنا جل ما فيها في الأدب والأخلاق والكمال والعرفان، فكم من نظم له عليه السلام في مدح الصدق، وذم الكذب، وتحسين الحسن، وتقبيح القبيح، والأمر بالعدل والإحسان والنهي عن الظلم والعدوان، والصفح عن المسيىء، والعفو عند المقدرة وهكذا بقية مكارم الأخلاق...
صدقاته وموقوفاته
في كل جانب من حياة الإمام عليه السلام تجد العظمة في منتهاها، والرفعة في ذراها ، فهو المثل الأعلى في العبادة والدعاء والإخلاص والجهاد والأخلاق والكرم وكثرة الصدقات، إلى غير ذلك من الفضائل والمناقب التي لا تعد ولا تحصى. والحديث عن صدقاته عليه السلام وأوقافه التي جعلها لله تعالى، حديث طويل يتناسب وسمو مقامه، ورفعة شأنه، فهو الذي كان يملك أربعة دراهم تصدق بدرهم منها ليلاً، وبدرهم نهارا، وبدرهم سراً، وبدرهم علانيةً ، فانزل الله تعالى فيه:
{ الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانيةً }
وهو الذي تصدق في ركوعه بخاتمه فنزل فيه قوله تعالى:
{ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون }...
كلمات الصحابة والتابعين
من المعيب أن نستدل على فضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بأقوال الصحابة والتابعين، وهم لولا جهاده وآثاره لكانوا في طي النسيان، وعالم الإهمال، وما قيمة ما ذكروه بعد قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله له: يا علي لا يعرفك إلا الله وأنا، وناهيك بهذا شرفاً وفخراً.
نعم، إيراد كلمات هؤلاء الأعلام تعطينا صورة صادقة عن إكبار المُخـَالفْ والمؤالفْ لعلي بن أبي طالب، وهيام الجميع بحبه، وحفظهم لفضائله.
وقد استغنينا بكلمات الصحابة والتابعين عن إيراد كلمات العلماء العظام لكثرتها، فهي فوق الحصر، فلا يوجد كتاب في التاريخ الإسلامي أو التراجم والسير، إلا واسم علي بن أبي طالب يلمع في كل فصل من فصوله، ولم يترجم أحد للخالدين إلا وصدره بإسم علي بن أبي طالب...
علي مع الحق والحق مع علي
بسم الله الرحمن الرحيم
ٍ{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }
بمناسبة ولادة أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب (ع)
نتوجه إلى الأمة الإسلامية جمعاء بأطيب التمنيات المباركة والتوفيق، داعين المولى عز وجل أن يعيد علينا هذه المناسبة العطرة بالخير واليمن والبركات، وقد تحررت الشعوب المظلومة من نير الإحتلال والتسلط.
يطيب لنا مباركة جميع الأخوة المؤمنين بمناسبة ذكرى ميلاد بطل الإسلام ورمز العدالة
الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
داعين الباري سبحانه أن يعيد هذه الذكرى العطرة على الأمة الإسلامية جمعاء بالعز واليمن والبركة.
الأخوة الأعزاء..
لكي نستلهم من شخصية وسيرة صاحب الذكرى نشير إلى جوانب منها..
1- الإيمان والعقيدة الراسخة، حتى بلغ القمة في ذلك، كما ينبئ عنه قوله المأثور: (( والله لو كشف ليّ الغطاء ما أزددت يقيناً )).
2- العبودية والفناء المطلق في ذات الله تعالى، فكانت سيرته تطبيقاً حياً للفناء في المعبود، حتى انصهرت وذابت طبيعته البشرية، فكان همه الوحيد تحمّل مسؤوليته بالنحو الأكمل، ولذلك تنوّعت مواقفه خلال مسيرة حياته المضنية بما ينسجم مع ما تمليه المسؤولية بحسب كل مرحلة تمر به (عليه السلام).
فمن بطولات جهادية متتالية.. إلى صمت وصبر واعتزال قرابة ربع قرن، وانتهاء بتصميم راسخ على تطبيق العدالة الإلهية بكل ثقلها عندما آبت إليه الأمة، حيث قدّم النموذج الأمثل للحاكم الإسلامي الحريص على العدالة وإنصاف الرعية وتطبيق التعاليم الإسلامية.
3- طاعته المطلقة للرسول(صلى الله عليه وآله)، فرغم مواهبه ومميّزاته الشخصية التي انبهرت بها الأجيال المتعاقبة، إلاّ أنه كان التابع المطيع لقائده، حيث لم يعهد منه(عليه السلام) أي اعتراض أو تلكؤ في تطبيق إرشادات الرسول(صلى الله عليه وآله) وأوامره، ويمكننا القول أنه رائد تلك المدرسة التي ينتمي إليها العديد من الصحابة، مثل المقداد وسلمان وابي ذر وعمار، الذين كانوا السباقين إلى طاعة الرسول(صلى الله عليه وآله) والخضوع له، في مقابل العصبة التي كانت تعترض أحياناً، وتجتهد اخرى.. في مقابل النص.
4- شخصيّته الشمولية المتميزة، حيث كان (عليه السلام) بالإضافة لسموّ الصفاء الروحي الذي يتميّز به قمة في الفضائل الأخلاقية، وآية في الإبداعات العلمية المتنوّعة فكان ـ بحق ـ معجزة الإسلام الناطقة.
5- الزهد في الدنيا وزبرجها، فكانت مواقفه تطبيقاً لخطابه للدنيا: (( إليكِ عني يا دنيا.. فحبلك على غاربك، قد انسللت من مخالبك، وأفلتّ من حبائلك، واجتنبت الذهاب في مداحظك، أين القرون الذين غررتهم بمداعبك! أين الأمم الذين فتنتهم بزخارفك، هاهم رهائن القبور، ومضامين اللحود…))(نهج البلاغة).
وقد عرف(عليه السلام) عجز الأمة عن مجاراته في زهده، فوجّههم لما هو أدنى من ذلك قائلاً: (( أما إنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع وإجتهاد وعفّة وسداد..))(نهج البلاغة).
6- رأفته واهتمامه البالغ بمصالح المسلمين، وحرصه على ما يصلحهم، ويكفي شاهداً على ذلك مراجعة ما حُفظ لنا من وصاياه ومواعظه للمسلمين، لنجدها طافحةً بحنوه وحرصه عليهم، حتى ورد عنه(عليه السلام) قوله: (( أيها الناس إني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ بها الأنبياء أممهم، وأديت لكم ما أدت الأوصياء إلى من بعدهم ))(نهج البلاغة).
7- وختاماً: يجدر بالأمّة التي تنتسب لمثل هذا القائد والقدوة الذي يعتبر تجسيداً لتعاليم الإسلام وثمرة جهود الرسول(صلى الله عليه وآله)، أن تقدي بسيرته وتستنير بإرشاداته في خضّم الفتن والتحديات التي تواجه كيانها وتراثها وأبناءها.
( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )
خاتمة المطاف
هذه شذرات من حياة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ونسبتها إليها كقطرة ماء من البحر المحيط، أو كباقة ورد من رياحين الدنيا، نقدمها بين يديك تشم منها عبق الولاء، وتنتشق من روائحها المودة لأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.
ثم هي بعد هذا وذاك: دعوة للإستقامة على مبدأ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، والذود عنه، والسير على خطاه، والدعوة إليه