بعد وفاة هشام بن عبد الملك عام 125هـ بدأت عوامل الضعف تسري في جسد الدولة الأموية، وبدأت الدولة تسير في منحدر الهاوية، وبدأت شمس الدولة في الأفول، فبوفاة هشام بن عبد الملك بدأت الاضطرابات والفتن والقلاقل تظهر على مسرح الأحداث في الدولة الأموية، واستمر الأمر كذلك نحوًا من سبع سنوات بعد وفاة هشام بن عبد الملك حتى سقطت الدولة الأموية وقامت الخلافة العباسية..
الوليد بن يزيد بن عبد الملك (125- 126هـ)
هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، أبو العباس الأموي الدمشقي وُلِدَ سنة 90هـ، ولم يتمكن أبوه من استخلافه لصغر سنه فعقد لأخيه هشام، وجعل الوليد وليًّا للعهد بعد هشام، كانت له ألقاب عدة: فلُقِّبَ بالبيطار، ولقب بخليع بني مروان والفاتك، وأمه أم الحجاج بنت محمد الثقفية.
بويع له بالخلافة وهو بدمشق بعد وفاة عمه هشام، وقد اختلفت الأقوال فيه، وتضاربت فمن قائل يقول عنه مثل العصامي: "كان أكمل بني أمية أدبًا وفصاحة، وأعرفهم باللغة والحديث، وكان جوادًا مفضالاًَ "، ثم يناقض "العصامي" نفسه قائلاً: "ولم يكن في بني أمية أكثر منه إدمانًا للشُّربِ والسماع، ولا أشد مجونًا وتهتكًا منه واستخفافًا بالدين وأمر الأمة"، بينما يقول عنه السيوطي: "...كان فاسقًا شريبًا للخمر، منتهكًا حرمات الله".
والقارئ يُصاب بالحيرة جَرّاء هذا التناقض؛ فبعض المصادر بالغت في وصف سلوكه السيئ، في حين نفت بعض المصادر الأخرى ذلك عنه، ووصفته بالخليفة المجمَع عليه.
ويبدو أن الوليد بن يزيد قد نشأ نشأة فيها بعض العبث، فاستغل عمه هشام ذلك لأغراض سياسية، فشهَّر به وسهَّل له سبل اللهو والمجون آملاً:
- أن ينساق في هذا المسلك، وينشغل عن المطالبة بالخلافة.
- إيغار صدور الناس عليه بتكوين رأي عام معارض.
- أن يجره هذا الانسياق في سلوكيات مذمومة تبرر خلعه من ولاية العهد، وهنا يعهد هشام لابنه بالخلافة من بعده. ويُلاحَظ أن الحملة التشهيرية ضده بدأت في أثناء خلافة عمه هشام في الوقت الذي كان هو وليًّا للعهد، ورفض طلب عمه أن يتنازل عن ولاية العهد لصالح ابنه مسلمة.
ونتيجة للضغط الذي تعرض له، خرج الوليد من دمشق، ونزل قصر الأزرق في الصحراء، ولم يزل مقيمًا فيه حتى توفي هشام، فجاءه الكتاب بموته وبيعة الناس له، فكان أول ما فعل أن كتب إلى العباس بن عبد الملك بن مروان أن يأتي الرصافة فيحمي ما فيها من أموال هشام وولده وعياله وحشمه إلا مسلمة بن هشام، فقدم العباس الرصافة ففعل ما كتب به الوليد.
وقد استهل الوليد خلافته بالاهتمام بأحوال رعيته اهتمامًا شاملاً، إذ شرع في إعداد الخطط وجَدَّ في تنفيذها لتحسين أوضاع المواطنين المعيشية تحسينًا ملحوظًا، كسبًا لودهم وإظهارًا لفضله على هشام بن عبد الملك، ولبلوغ هذه الأهداف اتخذ الوليد ثلاثة قرارات:
1- رفع مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين في العاصمة، فَوَاسَى البؤساء والضعفاء والعجزة والقاعدين والمكفوفين من أهل الشام، ووزَّع المعونات والهدايا على أطفالهم.
2- زيادة رواتب المواطنين المسجلين في ديوان العطاء؛ فرفع رواتب أهل الأمصار جميعًا عشرة دراهم، ومنح أهل الشام عشرة دراهم أخرى، وضاعف الأعطيات والهبات لأقربائه الذين قدموا عليه وأعلنوا مساندتهم له، وأكرم كل من قصدوه وسألوه، وتَأَلَّف أهل المدينة ومكة واسترضاهم فأعاد إليهم أرزاقهم وحقوقهم المالية، وأنفق الوليد في هذه الوجوه والسبل الإصلاحية ما حاز من ثروة هشام، وما وجد في خزائن الدولة من أموال حتى أفلس في ضائقة خانقة.
ووضع الوليد القرارين السابقين من خطته الإصلاحية في قصيدة عينية طويلة (لهـضاع أكثرها وسَلِمَ أقلُّها) قالها على المنبر بدمشق لما بويع بالخلافة، ثم أمر بكتابة نسخ منها لتُوزَّع على الأمصار المختلفة، وأرسل نسخة منها إلى المدينة، يحيي فيها أهل الأمصار ويعدهم بخير عميم، ويلتزم برواتبهم في موعدها المحدد الثابت كل سنة دون تأخير أو مماطلة، ويتعهد بزيادة رواتبهم زيادة مجزية، ويمنيهم بحياة رغيدة إن عاش وامتدت خلافته.
3- القرار الثالث الذي اتخذه الوليد لتحسين أوضاع المواطنين بالشام يتمثل في بناء بعض المنشآت المائية للنهوض بالزراعة وتوسيع رقعة الأراضي التي تزرع في الصيف وزيادة محاصيلها، ورفع أجر العاملين بها فأقام جسر الوليد على طريق أَذَنَة (من المصيصة على تسعة أميال) وشيَّد مشروع (أُسَيْس) المائي على بعد ثلاثة وثمانين ميلاً شرقي دمشق، وهو يشتمل على جهاز الري يستخدم للانتفاع بمياه الأمطار.
كما عُنِيَ الوليدُ بشئون الدولة العسكرية ولم يفرِّط فيها، ولكن حركة الجهاد كانت قد ضعفت منذ نهاية العقد الأخير من القرن الأول، وتحول دور المسلمين في حدودهم الشرقية مع الترك وحدودهم الشمالية مع الروم من الهجوم والفتح إلى الدفاع والحفاظ على البلدان التي نشروا الإسلام فيها، وبسطوا سلطانهم عليها، ومع ذلك فإنه تمت في عهد الوليد بعض الفتوح الجديدة، وأغار بعض إخوته على الروم غاراتٍ كثيرة ناجحة؛ ففي خلافة الوليد فُتِحَتْ قبرص، إذ أغزى الوليد بن يزيد أخاه الغمر بن يزيد بن عبد الملك، وأَمَّرَ على جيش البحر الأسود بن بلال المحاربي، وأمره أن يسير إلى قبرص، فيخيرهم بين المسير إلى الشام إن شاءوا، وإن شاءوا إلى الروم، فاختارت طائفة منهم جوار المسلمين فنقلهم الأسود إلى الشام، واختار آخرون أرض الروم، فانتقلوا إليها وولَّى أخاه الغمر بن يزيد الصائفة غير مرة، فغنم ما لم يغنمه أحد قط، وكانت آخر صوائفه في سنة ست وعشرين مائة.
وعلى قِصَرِ خلافة الوليد فإن القرارات الثلاثة الإصلاحية التي ارتآها وطبقها، وبعض الفتوحات والغزوات المظفرة التي قادها أخوه الغمر تدل على تفكيره في مشاكل رعيته المالية والاجتماعية والزراعية، تفكيرًا جادًّا خلص منه إلى وضع الحلول السريعة للمشاكل العاجلة، وتدل على اجتهاده في بعض حركة الفتوح والجهاد وتقويتها، وحماية حدود الدولة، وتنفي عنه ما اتهمه به اليعقوبي من أنه كان مهملاً لأمره، قليل العناية بأطرافه، متشاغلاً عن أمور الناس.
أعمال الوليد الانتقامية
يذكر التاريخ جنايات كثيرة للوليد بن يزيد بن عبد الملك -الوليد الثاني- على الدولة الأموية، وكان أعظمها إفساده بني عميه هشام والوليد والوزراء والولاة اليمانية وهم الدولة، فقد قام بجلد ابن عمه سليمان بن هشام وتغريبه إلى عمان لأمور كان ينقمها من أبيه وهو ولي عهده، وكان سليمان محبوبًا معدودًا من أكابر الرجال علمًا وسياسة ودراية بالحروب، ومعرفة بحيلها ومكائدها.
كما أراد الوليد بن يزيد البيعة لابنيه الحكم وعثمان وكانا غلامين، وسجن الوزير سعيد بن صهيب لنهيه إياه عن البيعة لابنيه، فغضب عليه وتركه في السجن حتى مات، وعرض أمر البيعة لابنيه على خالد بن عبد الله القسري فرفض، وكان خالد رأس ولاة الأمويين وشيخ وزرائهم وأعظم قائد لجند اليمانية، فغضب الوليد الثاني على خالد. ومما زاد من غضبه أن خالد القسري تكتم على اليمنية الذين كانوا يخططون لاغتياله، ولم يدله عليهم، فقد كان الوليد الثاني على علم بما أجمع عليه زعماء مضر وقضاعة واليمانية من الفتك به، فأبى أن يكاشف خالد بما علم اتقاءَ الفتنة.
ثم أمر بحبس خالد ودفعه إلى يوسف بن عمر أمره أن يستأدِيَ منه أموال العراق أيام كان عليه؛ فقبض منه خمسين مليون درهم، وسار به يوسف بن عمر إلى العراق ومكث في العذاب إلى أن مات قتيلاً سنة 126هـ، وكان آل القعقاع يتولون أهم الولايات فكان الوليد بن القعقاع على قنسرين وعبد الملك أخوه على حمص فعزلهما وعين يزيد بن عمر بن هبيرة، ودفع إليه آل القعقاع فعذبهم ونكل بهم حتى مات الوليد بن القعقاع وأخوه عبد الملك في العذاب، ورجلان من آلِهِمَا.
ونظرًا لهذه الأسباب فقد اضطغن على الوليد آل هشام والوليد ابنا عبد الملك، وآل القعقاع واليمانية ومضر، وألَّبوا عليه الأمة.
ثورة يزيد بن الوليد بن عبد الملك على الوليد الثاني
لقد اشترك في الثورة على الوليد الثاني عدة عناصر، من أهمها: بنو أمية، والقبائل اليمنية، والقدرية.
1- بنو أمية:
كَثُرَ الأمراء الأمويين في الفترة الأخيرة من دولتهم، وكان أغلبهم من ذرية عبد الملك وعبد العزيز ومحمد بن مروان بن الحكم، وأقلهم من حفدة يزيد بن معاوية، ويستفاد من أخبارهم أنهم كانوا طائفتين، فمعظم الأمراء الصغار من أولاد الوليد وهشام والحجاج بن عبد الملك بن مروان، ومن أبناء عمر بن عبد العزيز كانوا عُصبةً واحدةً على الوليد، جمع بينهم التذمر منه والمنافسة له، والطمع في عزله، وكان يزيد بن الوليد بن عبد الملك أدهى خصوم الوليد، وأشدهم طعنًا فيه، وأكثرهم تحريضًا عليه، وأقواهم عزمًا على الإطاحة به، وآزَرَ يزيدُ إخوتَه بشرًا ومسرورًا وعمر، وروحًا وإبراهيم.
أما الأمراء الأمويون الكبار من أبناء عبد الملك ومن أبناء أخيه محمد بن مروان بن الحكم، ومن حفدة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فكانوا أرجح عقلاً من الأمراء الصغار والمتسرعين، وأكثر اعتدالاً وأوسع أفقًا، وأحسن وعيًا لما ينفع ويضر، فسالموا الوليد وصانعوه وأيَّدوه، وحاولوا كبح جماح الأمراء الصغار.
وكان من الأمراء الكبار الذين مع الوليد بن يزيد، مروان بن محمد بن الحكم، وسعيد بن عبد الملك بن مروان، فقد كانوا ينكرون الوثوب بالوليد ويسعون إلى ردع الأمراء الصغار المتذمرين المتسرعين، ورتق الفتن بينهم وبين الوليد، وعندما علم مروان بن محمد أن يزيد بن الوليد يدعو إلى نفسه بعث إلى سعيد بن عبد الملك بن مروان يحثه على تدارك الفتنة قبل وقوعها إذ يقول له في كتابه:
"إن الله جعل لكل أهل بيت أركانًا يعتمدون عليها ويتقون بها المخاوف وأنت -بحمد الله- ركن من أركان أهل بيتك... إلخ". فلما وصلت الرسالة سعيد بن عبد الملك أعظم ذلك، وبعث بكتابه إلى العباس بن الوليد فدعا يزيد؛ فعذله وتهدده؛ فحذره يزيد وقال: يا أخي، أخاف أن يكون بعض من حسدنا هذه النعمة من عدونا أراد أن يغري بيننا، وحلف له أنه لم يفعل فصدقه.
وواضح أن يزيد بن الوليد كان من أقوى أعداء الوليد بن يزيد من الأمراء الأمويين الصغار الذين لم تحنكهم التجارب، ولم يكونوا يكترثون بتدهور الخلافة الأموية وسقوطها، فزَيَّنَ يزيد لأنداده من الأمراء الصغار الثورة على الوليد واستهواهم بآرائه، وما كان يُظهر من النسك والورع والتواضع؛ فاندفعوا إليه وآمنوا بآرائه، وأيدوا خطته ومطامعه؛ فعملوا على القرب من يزيد إرضاءً لغرورهم وكبريائهم، أو بحثًا عن الوجاهة والنباهة، أو انتقامًا من الوليد؛ لأنه أهملهم وأبعدهم واستهان، وأما الأمراء الأمويون الكبار فإنهم لم ينجحوا في إزالة أسباب الفرقة واستئصال جذور الفتنة لعوامل مختلفة منها ما يعود إلى بُعْدِ بعضهم، وتَسَتُّر العباس بن الوليد بن عبد الملك على أخيه يزيد، ومنها ما يُرَدُّ إلى خبث يزيد ودهائه ومراوغته ومخادعته لأخيه العباس كلما نهره وردعه، ومضيه في العمل والتخطيط واستقطاب الأنصار سرً، ومنها استبداد الوليد بن يزيد برأيه.
2- اليمنية:
كما تذمَّر اليمنية بالشام والعراق، وكانوا قد بدأوا يضجون بالشكوى من بني أمية، ويتضجرون منهم في نهاية القرن الأول بعد محق عبد الملك بن مروان لعبد الرحمن بن الأشعث الكندي، ومن التفوا حوله من اليمنية وغيرهم، ثم حنقهم على بني أمية في بداية القرن الثاني عندما نكب يزيد بن عبد الملك المهالبة وكاد يفنيهم، وتنامى حقد اليمنية في أواخر أيام هشام حين أقصى خالدًا عن العراق، وتَصَدَّى الوليد بن يزيد لخالد بن عبد الله القسري؛ لأنه قاوم رغباته السياسية فسجنه وأَذِنَ في ضربه، وكان قتل يوسف بن عمر الثقفي لخالد خاتمة النكبات التي حاقت باليمنية، وبعثتهم على التدبير المتقَن لخلع الوليد واغتياله، ثأرًا لدماء زعمائهم المراقة، وكرامتهم المهدرة وسلطتهم الضائعة، وقضاءً على نفوذ المضرية من قيس وتميم الذين أيَّدوا بني أمية ومكنوهم من اليمنية، ولبلوغ ذلك لجأ اليمنية في الشام إلى وسيلتين:
الأولى: إعلامية دعائية تحريضية، قصدوا منها استفزاز أبناء عشائرهم، وإذكاء حميتهم وأنفتهم بإثارة العصبية القبلية بينهم وبين القيسية، فوضعوا على لسان الوليد بن يزيد قصيدة طويلة في تقريع اليمنية وذمِّهم، والتشفي باندحارهم وتقلُّص سلطانهم، وفي تمجيد القيسية والافتخار بجبروتهم وعظمتهم وسحقهم لليمنية، وهي تتوالى على هذا النمط:
ألم تهتج فتـذكر الوصـالا *** وحبلاً كان متصـلاً فـزالا
بلى فالدمع منـك له سجام *** كماء المزن ينسجـل انسجالا
فدع عنك ادِّكار آل سعدى *** فنحن الأكثرون حصـى ومالا
إلى آخر الأبيات...
وأما الوسيلة الثانية التي لجأ إليها اليمنيون فهي التخطيط السري المنظم للثورة على الوليد، فجعلوا يبحثون عن زعيم يثقون به، ويشاركهم آلامهم وآمالهم، فوجدوا بغيتهم في يزيد بن الوليد بن عبد الملك الزعيم المنشود، إذ كان حانقًا على الوليد مثلهم، وكان يبحث عن أنصار مخلصين له، فوجد كل منهما بغيته في الآخر، وزاد من اطمئنان اليمنية إليه وإقبالهم عليه أنه كان مصهرًا إليهم، فقد كان متزوجًا امرأة منهم اسمها هند بنت زبان الكلبي، فأتاه رؤساء اليمنية وفاوضوه في خلع الوليد والمبايعة له بالخلافة.
3- القدرية:
وممن انضم إلى حركة يزيد بن الوليد القدرية، وكان يزيد -فيما ذكر بعض المؤرخين- يدين بمذهب القدرية، ويعتبره المعتزلة أفضل من عمر بن عبد العزيز لاشتراكهم في المذهب.
ويعلق الدكتور الصلابي قائلاً: ورأيي أن يزيد بن الوليد طالب ملك، وصراعه مع ابن عمه الوليد سياسي، وإن كان يزيد نظَّم حملة إعلامية شرسة لتلطيخ سمعة الوليد وسحب بساط الخلافة من تحته، وقد ذكر بعض المؤرخين أن يزيد كان ابن أَمَةٍ فارسية ولم يكن له من المنزلة في الأسرة المروانية ما كان لغيره من أبناء الخلفاء من الحرائر العربيات؛ فحُرِمَ هو وإخوته وسواهم من الأمراء الأمويين من أبناء الأعجميات من الخلافة، فمال إلى القول بالقدر، وأظهر الزهد والتقوى فاطمأن إلى القدرية واطمأنوا إليه، واستفاد منهم في حث الناس على مبايعته وتأييده وحضِّهم على خلع الوليد وسفك دمه. ويبدو أن تأييد القدرية ليزيد بن الوليد سببه محاربة الوليد لهم، وسيره على منهج هشام بن عبد الملك في حربهم.
وسرعان ما اندلعت الثورة ضد الوليد الثاني في دمشق بزعامة يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وساندته اليمنية بكل ثقلها، وبدأ الصراع القبلي.
وأدرك بعض أبناء الأسرة الأموية خطورة الوضع وما ينطوي عليه من كوارث قد تؤدي بالبيت الحاكم إلى الزوال، فحاولوا إيقاف التدهور، أو الحد من خطورته، إلا أنهم فشلوا في ذلك؛ مما دفع العباس بن الوليد بن عبد الملك إلى التعبير عن إدراكه العميق لحجم الكارثة فقال: "يا بني مروان، إني أظن الله قد أذن في هلاككم".
وزحف يزيد على دمشق واستولى عليها، وأَعَدَّ جيشًا بقيادة عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك لقتال الوليد الثاني، وكان متحصنًا في البخراء على حدود تدمر، وتمكن هذا الجيش من اقتحام الحصن وقتل الخليفة.
والواقع أن هذه الأحداث شكلت بداية النهاية للحكم الأموي، بفعل انقسام البيت الأموي على نفسه، وفقدانه تأييد كتلة عربية كان لها دور كبير في تأسيس دولة الخلافة الأموية، وهم عرب اليمن في الشام، وخراسان الذين ساندوا الثورة العباسية .