بعد أن فتح عمرو بن العاص مصر عام 20هـ أيام الخليفة عمر بن الخطاب تقدم نحو الغرب حتى وصل إلى طرابلس إلا أن الخليفة لم يأذن له بالتقدم نحو إفريقية، وكان قد وجه عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ففتح مصراته، وسيَّر عقبة بن نافع ففتح زويلة، وعينه أميرًا على حامية مرابطة في برقة، وأرسل بسر بن أرطأة ففتح ودان، وعين عبد الله بن سعد بن أبي سرح أميرًا على الصعيد.
فتوحات افريقياوعندما تولى عثمان بن عفان الخلافة أَذِنَ بفتح إفريقية؛ فأمر بإرسال قوة بإمرة عبد الله بن سعد بن أبي سرح نحوها وأمده بجيش من المدينة فيه الحسن والحسين ابنا علي وعبد الله بن العباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، فالتقوا بأمير برقة عقبة بن نافع، ودخلوا طرابلس وانتصروا على الروم قرب موقع القيروان، وفتحوا قفصة.
ثم نقضت إفريقية العهد فعاد عبد الله بن سعد بن أبي سرح إليها، وجدد فتحها، وبقي عقبة بن نافع أميرًا على برقة، وكثيرًا ما كان يحدث نقض العهد من قِبَلِ البربر فيقوم المسلمون بإعادة تسيير الجيوش ويجددون الفتح.
وعندما آلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان عاد عمرو بن العاص واليًا على مصر، وكان قد دخلها منذ عام 38هـ، وتولى أمر المغرب معاوية بن حديج ففتح بنزرت عام 41هـ، كما دخل قمونية موضع القيروان عام 45هـ، وأرسل عبد الله بن الزبير ففتح سوسة في العام نفسه، ورجع معاوية بن حديج إلى مصر فتولى أمر المغرب رويفع بن ثابت الأنصاري، وبقي عقبة بن نافع على برقة ففتح سرت ومغداس، وأعاد فتح ودّان ودخل فزان، ووصل إلى جنوبها إلى كاوار، ودخل غدامس وقفصة وابتنى القيروان، كما فتح كورا من بلاد السودان.
وفي عام 50هـ تولى أمر مصر مسلمة بن مخلد فعزل عقبة بن نافع عن أمر المغرب، وولَّى أبا المهاجر دينار فوصل إلى المغرب الأوسط.
بعد أن وصل عقبة بن نافع، إلى ساحل المحيط الأطلسي، وقام بفتوحاته هناك عاد إلى قاعدته القيروان، وفي طريق عودته فاجأه الروم وهو في عدد من جنده لا يزيد على ثلاثمائة فارس، وكلموا كسيلة الذي كان في عسكر عقبة؛ فأظهر غدره وجمع أقرباءه وهاجموا عقبة، فاستشهد ومعه أبو المهاجر دينار وذلك عام 63هـ، وكان نائبه على القيروان زهير بن قيس البلوي فقصده كسيلة، واضطر زهير إلى العودة إلى برقة وانتزع كسيلة القيروان من أيدي المسلمين.
وقد كثر الروم في إفريقية؛ إذ توقفت هجمات المسلمين، كما أن البربر قد قويت شوكتهم وعزَّ أمرهم بمجيء الروم إليهم، وكتب زهير إلى عبد الملك يخبره بذلك، فأرسل إليه قوة كبيرة من بلاد الشام سار بهم إلى إفريقية واقترب من القيروان عام 69هـ، ونازل كسيلة في (ممس) إلى الغرب من القيروان فانتصر عليه وقتله، ولاحق المسلمون البربر والروم حتى المغرب الأقصى، وكانت معركة (ممس) معركة حاسمة ذل بعدها الروم تمامًا وضعفت مقاومة البربر، وجاءت مراكب كثيرة من الروم من القسطنطينية وجزيرة صقلية فأغارت على برقة؛ فسلبت ونهبت كثيرًا. وصادف ذلك قدوم زهير فطلب من جنده الحركة السريعة نحو الساحل لاستنقاذ سبي المسلمين، فلما رأوه استغاثوا به وهم يُسحبون نحو المراكب فأسرع لنجدتهم، وكانت الروم بأعداد كبيرة فجرت معركة استشهد فيها زهير عام 71هـ.
وأرسل عبد الملك عام 73هـ حسان بن النعمان الغساني واليًا على إفريقية، فسار من مصر بأربعين ألفًا، ويقال إنه أول من دخل إفريقية من جند الشام، فنزل طرابلس عام 74هـ وسار بعدها إلى القيروان ولم يجد أثناء سيره سوى مقاومة خفيفة ثم سار إلى قرطاجنة وأمر بهدمها فهدمت حتى يحرم الروم من الإفادة من مرافئها، ثم أقام إلى الجنوب منها مدينة تونس، ولاحق الروم إلى الساحل فهزمهم في بنزرت وصطفورة، ثم عاد إلى القيروان فمكث فيها مدة، ثم انطلق نحو الكاهنة في جبال أوراس وكان البربر يطيعونها، وأمرها عظيم يخشاه الروم، والتقى الطرفان وهُزِمَ المسلمون بعد بلاء عظيم.
وأخبر حسان الخليفة عبد الملك بذلك فأمره بالانتظار حتى تصل إليه الأوامر، أما من ناحية الروم فقد سُرُّوا بهزيمة المسلمين وحرصوا على استرجاع إفريقية، ووصل أسطولهم عام 78هـ إلى قرطاجنة بإمرة البطريق يوحنا فتمكن من دخولها، وقسا الروم على المسلمين قسوة شديدة تدل على حقدهم ومحاولة الانتقام، وتحصنوا في قرطاجنة والمدن المجاورة لها، وأخبر حسان أمير المؤمنين عبد الملك بما قسا به الروم.
بقي حسان مقيمًا في مكان (قصور حسان) بالقرب من سرتة مدة خمس سنوات وهو يستحث عبد الملك لإرسال الجنود إليه، إلا أن عبد الملك كان مشغولاً في حوادث المشرق التي شغلته مدة من الزمن، وهي حركة الخوارج وحركة ابن الأشعث، ثم أرسل نجدة إلى حسان عام 81هـ، وأمره بالسير نحو إفريقية، فتحرك حسان نحو الكاهنة فهزمها وقتلها عام 82هـ، وعمل على الإحسان إلى البربر فحَسُنَ إسلامُهم، ثم عاد إلى القيروان فاستراح به مدة، ثم اتجه شمالاً نحو قرطاجنة، وجرت معركة بحرية هُزِمَ فيها الرومُ، وفُتِحَتْ قرطاجنة، وانتقل البطريق يوحنا هاربًا إلى بيزنطة، وطلب حسان النجدة البحرية من عبد الملك فأرسل له أسطولاً بإمرة عبد الملك بن قطن، فاستولى على جزر (كركنة)، ثم أرسل حسان خيلاً إلى المغرب فسيطر على فاس، وخلصت له المغرب تمامًا، وحتى لا يعود الروم إلى قرطاجنة أنشأ حسان مرفأ تونس جنوب قرطاجنة.
وقام حسان بتدوين الدواوين، وضرب الدنانير والدراهم العربية، ثم عُزِلَ عن إفريقية سنة 85هـ.
وبعد أن تولى موسى بن نصير إفريقية عمل على توطيد الوضع فيها، فعمل على نشر الإسلام بين البربر، وقد نجح في مهمته، ودان البربر بالطاعة للإسلام.