وتشمل هذه التنظيمات الدواوين، وسَكّ العملة الإسلامية الخالصة، وبيت المال.
الدواوين في العصر الأموي
الدواوين في العصر الأمويتعددت الدواوين في العصر الأموي، ومن أهم الدواوين التي كانت موجودة في ذلك العصر ديوان الخراج وديوان الجند، وديوان الخاتم، وديوان البريد، وديوان الرسائل، وديوان الإنشاء، وديوان العُشْر، وديوان المستغلات، وديوان العمال.
ديوان الخراج
ظل ديوان الخراج على ما كان عليه قبل الإسلام، فقد كان ديوان الشام بالرومية، وديوان العراق بالفارسية، وديوان مصر بالقبطية، ولم يزل الأمر على ذلك حتى زمن عبد الملك بن مروان فأمر بتعريب دواوين الخراج في الأمصار الإسلامية المختلفة سنة 81هـ؛ ففي الشام أمر عبد الملك سليمان بن سعد الخشني -وكان يتقلد ديوان الرسائل- بنقل ديوان الشام إلى العربية فسأله أن يُعيِّنَه بخراج الأردن سنة ففعل، وولاّه الأردن فلم تنقضِ السنة حتى فرغ من نقله، وأتى به عبد الملك فدعا سرجون الرومي كاتبه فعرض ذلك عليه فغَمَّه، وخرج من عنده كئيبًا، فلقيه قوم من كُتَّابِ الروم؛ فقال لهم: اطلبوا المعيشة من غير هذه الصناعة فقد قطعها الله عنكم.
وكان سرجون بن منصور الرومي يتقلد ديوان الخراج منذ زمن معاوية حتى زمن عبد الملك بن مروان.
أما بالنسبة للعراق فقد أمر الحجاج بن يوسف كاتبه صالح بن عبد الرحمن بتحويل الديوان من الفارسية إلى العربية، بعد قتل زاذان فروخ -وكان يتقلد ديوان الخراج بالعراق- في أيام ابن الأشعث، فلما علم مردانشاه بن زاذان فروخ بذلك بذل له مائة ألف درهم ليظهر للحجاج العجز عن النقل؛ فلم يفعل فقال له: قطع الله أوصالك من الدنيا كما قطعت أصل الفارسية، فكان عبد الحميد بن يحيى -كاتب مروان بن محمد- يقول: لله دَرُّ صالح ما أعظمَ منَّتَه على الكُتَّاب.
وفي سنة 86هـ نقل عبد الله بن عبد الملك بن مروان دواوين مصر إلى العربية؛ فصرف عبد الله بن عبد الملك أشناس عن الديوان وجعل عليه ابن يربوع الفزاري من أهل حمص.
السبب في تعريب الدواوين
كان لعبد الملك بن مروان في تعريب الدواوين هدف أسمى مما ذكرناه، وهو صبغ الإدارة المالية للدولة الإسلامية بالصبغة العربية الإسلامية، مع تمكين المسلمين من الإشراف على الإدارة المالية إشرافًا تامًّا.
ومن ثَمَّ، فإن تعريب الدواوين كان قرارًا سياسيًّا حكيمًا من رئيس الدولة عبد الملك بن مروان فلا يُعقَل أن يستمر الإشراف على هذه الدواوين في أيدي أصحاب البلاد الأصليين الذين يكتبون بلغتهم، وإنما اضْطُرَّ المسلمون إلى إبقاء هؤلاء في وظائفهم بعد أن فُتِحت هذه البلاد لانشغال الفاتحين بما هو أهم من الاستقرار والتنظيم وهو نشر الإسلام أولاً، ثم يأتي التنظيم والترتيب والتعريب ثانيًا.
وقد رصد عبد الملك أموالاً جزيلة وجوائز عظيمة لمن قاموا بترجمة هذه الدواوين ونقل مصطلحاتهم إلى العربية في إطار صبغ الدولة بالصبغة العربية الإسلامية الخالصة، هذا فضلاً عن أن تعريب الدواوين تبعه تعريب الاقتصاد، حيث ضُرِبَتْ العملة الإسلامية الخالصة لتحل محل العملات الأجنبية (الدينار البيزنطي والدرهم الفارسي)، وفي هذا تحرير للاقتصاد الإسلامي من التبعية الأجنبية.
كان لتعريب الدواوين أثر مزدوج من الناحيتين السياسية والأدبية: فمن الناحية السياسية صبغ الدولة الإسلامية بالصبغة العربية، وأصبحت اللغة العربية هي لغة الكتابة الرسمية للدواوين فلا يعقل أن تكون الدولة عربية إسلامية وتُكتب سجلاتها بغير لغتها العربية؛ مما ساعد على تَقَلُّص نفوذ أهل الذمة والمسلمين من غير العرب بعد أن انتقلت مناصب هؤلاء إلى المسلمين العرب، هذا فضلاً عن تمكين الخليفة من الاطلاع على هذه الدواوين والإشراف عليها ومباغتة القائمين عليها وكشف ما فيها من زيف أو تحريف ومحاسبتهم على ذلك، إضافةً -أيضًا- إلى الحفاظ على أسرار الدولة ومقدراتها.
ومن الناحية الأدبية أصبحت اللغة العربية لغة التدوين؛ فنُقل إليها كثير من الاصطلاحات الفارسية والرومية، وبدأت تظهر طبقة من الكُتَّاب منذ ذلك الوقت.
أما باقي الدواوين فظلت كما هي باللغة العربية منذ إنشائها في عهد عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان .
النقود (العملة)
النقود .. العملة في عهد الدولة الأمويةكانت النقود المتداولة بين العرب قبل الإسلام دنانير ذهب ودراهم فضة؛ أما الدنانير فكانت ترد إليهم من بلاد بيزنطة، وعُرِفَتْ باسم الدنانير الهِرَقْلِيَّة والقيصرية والرومية، وأما الدراهم فكانت تأتيهم دراهم من بلاد فارس، وذكرت باسم الدراهم الكسروية والفارسية، وكانت تأتيهم دراهم حِمْيَرية من اليمن -أيضًا- ولكنها قليلة.
لم تكن هذه الدنانير والدراهم مقدرة بوزن معين واحد، وإنما كانت متفاوتة في الأوزان؛ ولذلك كان الناس يتعاملون بها بينهم وزنًا، ولو كانت مقدرة بوزن معين واحد لتعاملوا بها عددًا.
فلما بعث الله محمدًا رسولاً أقرَّ النقود في الإسلام على ما كانت عليه من قبل، وتعلقت بالنقود كثير من الأحكام الشرعية في أمور الزكاة والأنكحة والحدود وغيرها؛ ففُرِضَت الزكاة على سبيل المثال في الأموال في كل خمس أواقٍ من الفضة الخالصة أي في مائتي درهم فُرِضَتْ خمسةُ دراهم، وفي كل عشرين دينارًا فُرِضَ نصفُ دينار، وكان الدرهم الشرعي هو الذي تزن العشرة منه سبعة مثاقيل من الذهب، أي سبعة دنانير وتزن الأوقية منه أربعين درهمًا.
بيت المال
تتطلب مصلحة كل دولة أن يكون لها نظام مالي تسير عليه، وقد راعت الدولة الإسلامية ذلك فأنشأت بيتًا للمال يقوم على رعاية مصالحها، وهو يشبه وزارة المالية في وقتنا الحاضر، والقائم عليه يشبه وزير المالية.
ولبيت المال حقوق وعليه واجبات، فكل ما يستحقه المسلمون ولم يتعين مالكه منهم فهو حق من حقوق بيت المال، وكل ما وجب صرفه في مصالح المسلمين فهو حق على بيت المال، ولبيت المال موارد هي: الصدقة، والغنيمة، والفيء.
وهذه الموارد قسمان: موارد دورية تُجْبى في أوقات معينة من كل عام كالزكاة والجزية، وموارد غير دورية كخُمْسِ الغنائم والركاز.
نظام عدم المركزية
اتبع خلفاء الدولة العربية الإسلامية الراشدون والأمويون نظام اللامركزية، فكانت كل ولاية تصرف إيراداتها على مرافقها الخاصة، والباقي يُحْمَل إلى الخزينة العامة بالمدينة أو دمشق.
خازن بيت المال
لقد كان لكل (بيت مال) خازن يقوم بأمره فعلى سبيل المثال كان عمر بن مهاجر على بيت مال الوليد بن عبد الملك، وكان يكتب لسليمان بن عبد الملك على النفقات وبيوت الأموال والخزائن والرقيق عبد الله بن عمرو بن الحرث، وكان على بيت مال مصر عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة من قِبَل عبد الملك بن رفاعة في خلافة سليمان بن عبد الملك.
وفي الختام يمكن القول: إن الخلفاء الأمويين اعتنوا بالتنظيمات المالية عناية فائقة وأصبح (بيت المال) في الدولة الأموية يمثل أهمية عظيمة في تنظيم حركة الأموال داخل الدولة الإسلامية الواسعة، فقد كانت بيوت الأموال تشكل في مضمونها نظامًا ماليًّا متكاملاً من حيث توافر عناصره الرئيسية، وهي الإيرادات والمصروفات والإدارة المالية؛ مما يُدلل على التقدم الإداري الذي تمتعت به الدولة في حينها.