خلافة المكتفي بالله علي بن المعتضد بالله
خلافة المكتفي بالله علي بن المعتضد باللهانتكست البلاد في عهد المكتفي بالله من ربيع آخر 289هـ حتى ذي القعدة 295هـ، وازدادت الصراعات والمنافسات بين ذوي النفوذ بالدولة.
أعماله
قاتل القرامطة ونظف النواحي الشامية منهم في محرم سنة 291هـ، ولكن ذلك لم يكن للمذهب القرمطي.
وضعف سلطان هذه الفرقة بالعراق بعد مقتل زكرويه[1] وأولاده وقتل أكثر دعاتهم، ولكن نفى أخطر دعاتهم وهو الجنابي بالبحرين، ولم يكن له في عهد المكتفي كبير عمل، وإنما كانت مصائبه ورزاياه في عهد المقتدر. وفي عهده انتهت دولة بني طولون بمصر سنة 292هـ على يد العباسيين، كما انتهت دولة الأغالبة بإفريقية على يد أبي عبيد الله الشيعي داعية الفاطميين بالمغرب، كما سيأتي ذكره.
خلافة جعفر المقتدر بالله بن المعتضد بالله
تولى الخلافة المقتدر بالله من ذي القعدة 295هـ حتى قتل في شوال 320هـ، وسنُّه 13 سنة عن عهد من أخيه لم يرق الأمر للناس لصغر سنه، فحدثت محاولة لخلعه من كبار القادة وتولية عبد الله بن المعتز، ولكنها فشلت.
حكومة النساء
والحقيقة أن هيبة الخلافة قد سقطت في عهد المقتدر فهو شاب صغير لا يعرف عن السياسة شيئًا، ولا من الشجاعة شيئًا وكانت له أم وقهرمانة صار لهما الحكم في كل ما يجرى من الشئون، وإليهما يتقرب بالرشوة من يريد عملاً أو وزارة، والمقتدر لاهٍ بما هو فيه من اللعب واللهو والسرف ولم يعد بيده شيء، تولى الوزارة في عهده اثنا عشر وزيرًا، منهم من تقلد الوزارة مرتين وثلاثًا وكانت تنال بالرشوة، وتدخل في أمر تعيين الوزراء النساء والخدم والحاشية، ولم يكن الصالح منهم يبقى في العمل كثيرًا لأن بقاءه يتبع رضا أم المقتدر وقهرمانته وخدم الدار، وهؤلاء لا يرضون إلا إذا حوبوا بالأموال الكثيرة التي بها تفسد المالية، وتختل موازنتها فمتى حصل التقصير عن دفع الأموال جيء بآخر يستطيع أن يدفع، وسرعان ما يقبض على الأول ويصادر ويعين الثاني.
وفي سنة 301هـ قُتِل أبو سعيد الجنابي زعيم القرامطة وتولى ابنه سعيد إلا أن أخاه أبو طاهر سليمان الجنابي قد تغلب عليه وقاد القرامطة من بعده. وفي عهده فعل القرامطة الأفاعيل واشتد نفوذه وسار نحو الكوفة وتقدم ناحية العاصمة بغداد، وهم يهزمون جيوش الخلافة الواحد تلو الآخر.
وورد الخبر بذلك إلى بغداد فخاف الخاص والعام من القرامطة خوفًا شديدًا، وعزموا على الهرب إلى حلوان وهمذان..كل ذلك وعدد القرامطة لا يزيد عن 2700 حتى أنه لما علم المقتدر بعددهم قال: (لعن الله نيفًا وثمانين ألفًا يعجزون عن ألفين وسبعمائة!!).
آثار تكسير القرامطة للحجر الأسودوفي سنة 312هـ اعترض القرمطي أبو طاهر الحسين بن سعيد الجنابي للحجيج وهم راجعون من بيت الله الحرام.. فلما حاولوا أن يدافعوا عن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم قتل منهم خلقًا كثيرًا وأسر من نسائهم وأبنائهم، ثم بعث الخليفة بجيش بقيادة مؤنس الخادم لقتال القرامطة وأنفق على خروجه ألف ألف دينار فخافه أبو طاهر وأطلق من كان معه من أسرى الحجيج.. فسكن الأمر وانصلحت الأحوال.
وفي عهد المقتدر أعلن عبد الرحمن الناصر أمير الأندلس نفسه أميرًا للمؤمنين.
وفي إفريقية قامت الدولة الفاطمية سنة 279هـ قضت على دولة الأدارسة من المغرب الأقصى والأغالبة من إفريقية وجعلت مقرها مدينة المهدية التي أسسها عبيد الله المهدي بالقرب من القيروان، وسيأتي ذكر الدولة الفاطمية في فصل خاص.
وفي الموصل ابتدأت دولة آل حمدان ولكن لم يتمكن سلطانهم، في عهد المقتدر، قامت سنة 293هـ واستمرت حتى 380هـ وسيأتي بيان هذه الدولة..
نهاية شنيعة
كانت نهاية المقتدر بائسة، شغب الجند واستاء القادة وحصل مواجهة بينه وبين أحد أكبر القادة في عصره وأعظمهم نفوذًا وهو مؤنس الخادم الملقب بالمظفر قائد عام الجيوش وهُزِم الخليفة وقتل على يد بعض الجند وذبحوه، ثم رفعوا رأسه على خشبة وهم يكبرون ويلعنونه، وأخذوا جميع ما عليه، حتى سراويله، وتركوه مكشوفًا إلى أن مر به رجل فستره بحشيش ثم حفر له موضعه ودفن وكان عمره حين قتل 38 عامًا.
خلافة أبو محمد القاهر بن المعتضد
جاء أبو محمد القاهر من شوال 320هـ حتى خلع في جمادى الأولى 322هـ، باختيار مؤنس قائد الجيش، وكان أول ما فعله هو إحضار أم المقتدر وتعذيبها، وكانت مريضة ليعرف أين كان مالها وجواهرها فاستلب جميع ما تملك.
وكان القاهر شريرًا خبيث النية سرعان ما غدر بمؤنس، وأمر بالقبض عليه وكل من أجلسوه على كرسي الخلافة ولما تمكن منهم القاهر أمر بقتلهم وأما من بقى منهم فقد أخذ يخطط للتخلص من القاهر فقبضوا عليه وسملوا عينيه فقضوا عليه وخلعوه بتخطيط من وزيره ابن مقلة.
خلافة الراضي أبو العباس بن أحمد المقتدر
اختاره القادة وعينوه خليفة من جمادى الأولى 322هـ حتى ربيع أول سنة 329هـ، كالعادة كانت الكلمة العليا في أول عهده لمن ساعده وهو الوزير بن مقلة وحاجبه محمد بن ياقوت ولكن سرعان ما انقلب على ابن ياقوت، الذي توفي مسجونًا ثم انقلب على ابن مقلة وسجنه.
واضطربت الأحوال فاضطر الراضي أن يرسل إلى محمد بن رائق وهو بواسط يعرض عليه الولاية ببغداد، فقلده الراضي لقب أمير الأمراء وولاه الدواوين، ومن ذلك الوقت بطلت الدواوين وبطلت الوزارة وانتقل السلطان الحقيقي لابن رائق وصارت الوزارة شكلية..
حقيقة منصب أمير الأمراء
عجبًا : كان ابن رائق وكاتبه ينظران في الأمور جميعها وكذلك كل من تولى إمرة الأمراء بعده، وصارت الأموال تُحمَلُ إلى خزائنهم فيتصرفون فيها كما يريدون، ويطلقون للخليفة ما يريدون وبطلت بيوت الأموال.
ودارت صراعات ونزاعات للفوز بهذا المنصب -الذي لم يدم طويلاً لابن رائق- كلٌ يريد أن تكون له إمارة الأمراء ببغداد، والأعداء ينتقصون في كل يوم من أرض الخلافة جزءًا ولم يعد لها شيء من الهيبة ولا نفوذ الكلمة.
مشهد آل طباطبا أحد آثار الدولة الإخشيديةظهرت في عهد الراضي الدولة الإخشيدية بمصر على يد مؤسسها محمد بن طغج الإخشيدي وهو من موالي آل طولون وكان ملكه مصر سنة 323هـ إلى سنة 358هـ، وهم الذين تسلم منهم الفاطميون مصر.
ختم الراضي الخلفاء في أشياء منها
أنه آخر خليفة دون له شعر- وآخر خليفة انفرد بتدبير الملك- وآخر خليفة خطب على منبر يوم الجمعة- وآخر خليفة جالس الندماء ووصل إليه العلماء- وآخر خليفة كانت مراتبه وجوائزه وخدمه وحجابه تجري على قواعد الخلفاء المتقدمين، وفي أيامه حدث اسم أمير الأمراء في بغداد، وصار إلى أمير الأمراء الحل والعقد، والخليفة يأتمر بأمره، وليس له من نفوذ الكلمة ولا سلطان الخلافة شيء.
خلافة إبراهيم المتقي لله بن المعتمد
عين القادة المتقي لله من ربيع أول 329هـ حتى خلع في صفر 333هـ، والوزراء ولم يكن له من الأمر شيء، واشتد الصراع على منصب أمير الأمراء ولم يكن يستقر الحال لأحدهم طويلاً:
(ابن رائق - بجكم - البريدي - ناصر الدولة ابن حمدان - توزون)، واستمر الحال على ذلك حتى خلعه توزون، وسمل عينيه وأدخله بغداد وهو على هذه الحال، وأرغمه على بيعة المستكفي، ثم سجن في جزيرة بالنهر، وبقي في سجنه مدة خمس وعشرين سنة حتى توفي عام 357هـ. وفي أيام المتقي هاجم الروم المسلمين ووصلوا إلى نصيبين، فقتلوا وسبوا ما شاء لهم هواهم أن يفعلوا.