الطب الحديث يكشف الحكمة من هذا النهي
ثبت في الطبِّ الحديث أنَّ معظم الأمراض ترافق بنقص الشهية إلى الطعام والرغبة فيه، وهذا متعلق بعمل الجهاز الهضمي وقدرته في حالة المرض، وإنَّ إجبار المريض على الطعام يعني : عدم استفادة المريض من الطعام من جهةٍ ثانية. فذلك يسبب عسرة هضم لدى المريض، وهذه تزيد الحالة سوءً، وتزيد المريض أضراراً بالجسم.
ولابد من الإشارة هنا إلى أنه إذا كان فقدان الرغبة في الطعام أو نقصانها من دلائل المرض، فإنَّ عودة الرغبة إلى الطعام إلى سابق ما كانت عليه قبل المرض هو من دلائلالشفاء.
والتعامل السديد مع المريض في مسائل الطعام والشراب هو أن ندخل على أنبوب الهضم من الطعام والشراب القدر الذي يستطيع التعامل معه، فمقدار الطعام هنا مرتبط بمقدار فعالية الجهاز الهضمي وقدرته على العمل، ومن هنا يستحب أن يكون مقدار الطعام قليلاً، ويحدد هذا المقدار رغبة المريض وشهيته، وأن يكون نوع الطعام سهل الهضم، وسهل الامتصاص، أي يستفاد منه بأقل عمل ممكن من جهاز الهضم، وينطبق ذلك أيضاً على الشراب.
أما قوله صلى الله عليه وسلم : " فإن الله يطعمهم ويسقيهم " ليس معناه : أن الله ينزل على المرضى الطعام والشراب كي يتناولونه، وإنما هو إشارة إلى سر طبيَّ ظل مجهولاً قروناً كثيرة، وتكشف للعلم الحديث، إن الطب الحديث يقول : إن المريض يكسب الطاقة من مصادر داخلية، وهذه المصادر هي :
1- استقلاب الغليكوجين المدَّخر في الكبد والعضلات، وهذا المصدر سريع النفاذ، فإذا استمر المرض تحول الجسم إلى المصدر الثاني.
2- استحداث السكر، أي : توليد الغلوكوز من مصادر شحمية وبروتينية، حيث تتحلل البروتينات إلى أحماض أمينية، وتتحلل الشحوم إلى أحماض شحمية، ومن هنا تنقص الشحوم وتضمر العضلات عند المريض، وهذا ما يتظاهر خارجياً بالهزال.
على أنه متى عاد المريض إلى رغبته في الطعام قبل المرض يعود الجسم فيدَّخر الغذاء على شكل شحوم وبروتينات، فيكتنز ما تحت الجلد بالشحوم، وتنمو العضلات.
يقول د. عادل الأزهري : " معظم الأمراض يصحبها عدم رغبة المريض في الطعام، وإطعام المريض قصداً في هذه الحالة يعود عليه بالضرر؛ لعدم قيام جهازه الهضمي بعمله كما يجب، مما يتبعه عسر هضم مع سوء حالة المريض، وكل مريض له غذاء معين له، ويجب أن يكون سهل الهضم قليل العناء، وإن من دلائل الشفاء عودة المريض إلى سابق رغبته في الطعام " .
ويؤكد الدكتور النسيمي : " أن الله سبحانه وتعالى قضت حكمته أن يكون في الجسم مدخرات كبيرة يستفيد منها وقت الحرمان، فينبغي أن لا يغتم ذووا المريض لعزوف مريضهم عن الطعام خلال المرض، فإن المعدة قد لا تحتمل الطعام الزائد، أو لا تحتمل الطعام مطلقاً، وقد يسبب له غثياناً أو قيئاً، ولذا لا يجوز أن يجبروا مريضهم على الطعام وقد عافته نفسه " .