هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين أبو خالد الأموي، وأمه ميسون بنت بحدل بن أنيف الكلبي، وُلِدَ سنة خمس أو ست أو سبع وعشرين للهجرة، ويعد من الطبقة الأولى من التابعين، ويقول ابن كثير: "وقد ذكره أبو زرعة الدمشقي في الطبقة التي تلي الصحابة وهي العليا، وله أحاديث، روى عن أبيه معاوية أن رسول الله قال: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين". وحديثًا آخر في الوضوء، وروى عنه ابنه خالد وعبد الملك بن مروان.
ولد يزيد أثناء ولاية أبيه على الشام في خلافة عثمان بن عفان فنشأ في عز الإمارة ومجدها، وقد عُنيَ معاوية بتربيته تربيةً عربيةً إسلاميةً؛ فقد أرسله في طفولته إلى البادية عند أخواله من بني كلب ليشبَّ في أحضان الفطرة، وخشونة البادية ورجولتها وفتوتها، وليتعلم العربية النقية، ولقد أثمرت هذه التربية في يزيد، فكان شاعرًا فصيحًا، وأديبًا لبيبًا يحسن التصرف في المواقف، حاضر البديهة، أَبيَّ النفس، عالي الهمة.
يُروَى أن زيادًا قَدِم ذات يوم على معاوية بأموال كثيرة؛ فصعد المنبر ثم افتخر بما يفعله بأرض العراق من تمهيد الملك لمعاوية، فقام يزيد فقال: إن تفعل ذلك يا زياد، فنحن نقلناك من ولاء ثقيف إلى قريش، ومن القلم إلى المنابر، ومن زياد بن عبيد إلى حرب بن أمية، فقال معاوية لابنه: اجلس فداك أبي وأمي.
وقد حرص معاوية على تعليم ابنه مكارم الأخلاق، وفن التعامل مع الناس، ومجاملاتهم في المناسبات حتى يتحبب إليهم وتتوثق الصلات بينه وبينهم، وَفَدَ عبد الله بن عباس على معاوية بعد وفاة الحسن بن علي، فدعا معاوية يزيدًا ليعزيه في الحسن، فلما دخل على ابن عباس رحَّبَ به وأكرمه، وجلس عنده بين يديه، فأراد ابن عباس أن يرفع مجلسه، فأبى وقال: إنما أجلس مجلس المعزي لا المهني ثم ذكر الحسن، فقال: رحم الله أبا محمد أوسع الرحمة وأفسحها، وعظَّم الله أجرك، وأحسن جزاءك، وعوضك من مصابك ما هو خيرٌ لك ثوابًا وخيرٌ عُقْبى. فلما نهض من عنده قال ابن عباس: إذا ذهب بنو حرب ذهب علماء الناس.
كما كان معاوية يحرص على تعليمه التواضع والعدل والإنصاف، فقد رآه يضرب غلامًا له فقال له: "اعلم أن الله أقدر عليك منك عليه، سوءة لك!! أتضرب من لا يستطيع أن يمتنع عليك؟ والله لقد منعتني القدرة من الانتقام من ذوي الإحن، وإن أحسن من عفا لمن قدر".
وعندما آلت الخلافة إلى معاوية حرص على أن يعهد إلى يزيد ببعض الأعمال الكبيرة، لتدريبه على العمل وإكسابه الجدية، وتعريف المسلمين به، وتهيئته للمنصب الخطير الذي كان يُعِدُّه له، وهو منصب الخلافة، فقد أسند إليه قيادة الجيش الذي أرسله لغزو القسطنطينية سنة 49هـ، وكان تحت إمرته في هذا الجيش ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري، وهذا الجيش هو الذي وعده الرسول بالمغفرة في حديث أم حرام بنت ملحان الأنصارية حيث قال: "أول جيش يغزو مدينة قيصر مغفور له". ويقول ابن كثير: إن هذا الحديث من أعظم دلائل النبوة؛ لأنه تحقق ما أخبر به النبي . كما كان معاوية يؤمره على الحج، وهذه منزلة كبيرة.
وعندما عزم معاوية على العهد ليزيد بالخلافة أخذ يحمله على حياة الجد والحزم والإقلاع عن حياة الترف والنعومة، ليؤهل نفسه للمنصب الذي ينتظره فعندما تثاقل عن المسير مع الجيش الذي غزا القسطنطينية -المشار إليه آنفًا- أقسم عليه أبوه ليلحقنَّ بالجيش في أرض الروم، ليصيبه ما أصاب الناس.
ومن الواضح أن يزيدَ قد استجاب وارتفع إلى مستوى المسئولية التي أرادها له أبوه، والدليل على ذلك اشتراك الصحابة معه في الغزو، وعملهم تحت إمرته، ولو لم يروه أهلاً لذلك لما فعلوا.